< فهرست دروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التأمین/ ماهیّة التأمین/ إشکال کون التأمین قماراً

 

خلاصة الجلسة السابقة: کان بحثنا في الفقه المعاصر حول «صحّة عقد التأمین». قد ثبت في المباحث السابقة أنّه یمکن تصحیح عقد التأمین بعنوان عقد الضمان أو عقد جدید. ذکرنا هنا مباحث، منها: جواب الإشکالات الواردة علی هذا العقد و أوّلها إشکال کون هذا التأمین عقداً غرریّاً. ثمّ إنّا قد دارسنا هذا الإشکال و أجبنا عنه.

 

الإشکال الثاني: کون التأمین قماراً

إنّ عقد التأمین نوع من القمار و القمار من المحرّمات أیضاً؛ فعقد التأمین لیس مشروعاً.

قد اعتقد الشیخ الأنصاريّ (رحمه‌الله) في المکاسب المحرّمة بأنّه لا یلزم في القمار وجود شيء من آلات القمار، بل أینما توجد خصوصیّة القمار فهو من القمار. یُدارَس هنا في أنّ القمار یکون فیما تکون فیه المغالبة؛ أي یرید کلاالطرفین أن یغلب علی الآخر و ینجح. لا یضمن أحد منهما أداء الفلوس إلّا في صورة النجاح. و من ینجح فسیأخذ مبلغاً و لیس هذا المبلغ في مقابل عمل.

ثمّ إنّه بناءاً علی هذا المرأي الذي لا یَشترط وجود آلات القمار فما هي المشابهات و المفارقات بین القمار و التأمین؟

الفرق الأوّل:

إنّ کلاالطرفین في القمار یکونان مساویین؛ أي یمکن أن ینجح هذا الشخص أو ذاك الشخص و لکنّ القمار الذي یتصوّر في التأمین فمن جانب واحد من الطرفین. یعطي المستأمن مبلغاً للمؤمّن و لا قمار فیه؛ علی سبیل المثال یجب علیه أن یعطي خمسةملایین تومان لا أقلّ منه و لا أکثر؛ فإن لم تقع حادثة فالمؤمّن قد أخذ المبلغ و لم یعط شيئاً و یمکن أن یتصوّر أنّه ناجح. یمکن أن تقع حادثة و یلزم علی المؤمّن إعطاء أعشار ملایین تومان للخسارة. ما یمکن تصویر القمار فیه، فهي هذه الصورة الأخیرة. الفوز و الخسارة یمکن تصویرهما بالنسبة إلی المؤمّن فقط، لا في المستأمن الذي یعطي حقّ التأمین المعیّن؛ فإن لم تحدث حادثة فقد أخذ المؤمّن بحق ّ التأمین و إن حدثت حادثة فلیعط خسارةً کثیرةً فحینئذٍ یقع في خسارة.

الفرق الثاني:

ثمّ إنّ هناك فرقاً آخر بین القمار و التأمین و هو أنّ في القمار حالة الحرب و الغلبة؛ کلاالمقامرَین قد أرادا الغلبة علی الآخر و لیست في عقد التأمین حالة الغلبة، بل المؤمّن و المستأمن کلاهما یدعوان أن لا تقع حادثة و غرضهما واحد. في التأمین محبّة و رفاقة و في القمار خصومة و عداوة. قال الله- تعالی: ﴿إِنَّمَا يرِيدُ الشَّيطَانُ أَنْ يوقِعَ بَينَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَ الْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيسِرِ﴾.[1] القمار یوجِد في الاجتماع العداوة و کلّ واحد من المقامرین یرید الغلبة و لکنّ التأمین یوجب الهدوء و المحبّة و الرفاقة.

الفرق الثالث:

الفرق الثالث هو أنّ المبلغ في القمار یکون معلوماً؛ علی سبیل المثال من نجح منهما فلیأخذ مبلغاً معیّناً و لکن أداء الخسارة في التأمین منوط بشدّة الخسارة فلیجب أداء مبلغ قلیل للخسارة في صورة خفّة الحادثة و إذا کانت الحادثة شدیدةً فعلی المؤمّن إعطاء مبلغ أکثر.

ثمّ إنّ من مؤیّدات عدم وحدة القمار و التأمین، عدم وحدة علّة حرمتهما؛ فإنّ الشيء إذا أرید إثبات حکمه لشيء آخر فیلزم وجود علّته فیه أیضاً. علی سبیل المثال إذا قیل: «الخمر حرامٌ لأنّه مسکر» فالفقّاع أیضاً خمر حکماً؛ لأنّه مسکر. الفقّاع لیس بخمر نفسه و لکن حیث فیه علّة حرمة الخمر فله حکمه أیضاً.

لا یمکن وجدان علّة في عقد التأمین تکون هي علّةً لحرمة القمار أیضاً. فبناءاً علی الآیة السابقة إنّ العداوة و البغضاء توجدان في الخمر و القمار و لکن لا توجدان في التأمین بل فیه الهدوء و المحبّة؛ فلا یمکن وجدان وجه اشتراك بین القمار و التأمین حتّی یقال إنّ للتأمین حکم القمار أیضاً.

قال بعض: إنّ الشخص الأوّل الذي یرید انعقاد عقد التأمین مع المؤمّن فهو مقامر. یعقد عقداً یدفع فیه خمسة ملایین تومان و یجب علی المؤمّن أن یتعهّد إعطاء الخسارة إلی مأة ملایین تومان. یمکن أن تقع حادثة بعد ساعة و یجب علیه أن یعطي الخسارة؛ فهذا نوع من المقامرة.

یبدو إلی النظر أنّ التأمین في مورد الشخص الأوّل یشبه بالمقامرة؛ یأخذ المؤمّن مبلغاً قلیلاً و علیه أن یدعو أن لم تقع للمستأمن حادثة و إلّا وجب علیه إعطاء خسارة أکثر و لیس من المعلوم أن یأتيه المستأمنون الکثیرون حتّی یتحقّق له ربح. قد فعل عملاً خطیراً؛ یمکن أن یصیر خاسراً و یمکن أن یصیر رابحاً.

قد أجاب آیة‌الله السبحاني (سلّمه‌الله) عن هذا الإشکال و قال: عقد التأمین مع الشخص الأوّل عقد سفهي. لا یکون بطلانه للمقامرة بل لعدم کونه عقداً عقلائیّاً.[2]

لیس مرأی آیةالله السبحاني (سلّمه‌الله) صحیحاً؛ إذ عقد التأمین یبدأ بتأمین واحد فواحد من الأفراد. إن کان الأوّل منها سفهیّاً و باطلاً فالتالي منها أیضاً سفهيّ و باطل. إن عقد مئاتٌ من الأشخاص عقد التأمین فلیس سفهیّاً علی هذا المرأی و لکن إذا عقدوا واحداً بعد واحد فیصیر کلّها باطلةً. یعقد الأفراد في العالَم هذا العقد و کلّ هذه العقود یُبدأ بالشخص الأوّل. نعم یمکن أن تقع شرکة التأمین في الضرر بدایة الأمر و لکن ستصبح علی مرور الزمان رابحةً.

الإشکال الثالث: أکل المال بالباطل

قال الله- تعالی:‌ ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾[3] إنّ أکل المال بالباطل حرام. ما المراد من الباطل؟ له معانٍ منها: «أي بأسباب باطلة» فالمراد حینئذٍ أن لا تکن التجارة بأسباب باطلة کالرشوة و القمار و الخلاف و الفساد و ... و المعنی الآخر: أنّه لم یفعل شيئاً و لکن یأخذ الفلوس. إن أخذ فلوساً و لم یفعل في قبالها شیئاً فقد أکل المال بالباطل.

من اعتقد کون التأمین أکلاً للمال بالباطل فهل یجعل معنی الباطل المعنی الأوّل أم المعنی الثاني؟ لا یمکن أخذ معنی السبب الباطل؛ إذ عقد التأمین إذا کان عقداً صحیحاً فلیس أکلاً للمال بالباطل. و هذا أوّل الکلام من أنّ عقد التأمین عقد باطل. یمکن أن یفسَّر المعنی الثاني بأن یقول المستأمن للمؤمّن: إنّي قد أعطیتك حقّ التأمین سنواتٍ عدیدةً و لکن لم تقع لي حادثة بعدُ و لم تعطِ خسارةً و لم تفعل لي شیئاً؛ فهذا أکل مال بالباطل.

سندارإن شاء الله- هذا الإشکال في الجلسة الآتیة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo