< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وخمسة وخمسون: أخذ قصد القربة في متعلق الأمر

 

الكلام في الفرق بين الواجب التعبدي والواجب التوصلي، وقد ذكرت أربعة وجوه في التفرقة بينهما، واختار الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ رحمه الله ـ خصوص الوجه الرابع دون الوجوه الثلاثة:

الأول وقد رجحنا الوجه الأول.

الوجه الأول في التفرقة بين الواجب التعبدي والتوصل هو أن الواجب التعبدي ما أخذ فيه قصد القربة بخلاف الواجب التوصلي الذي لم يؤخذ في متعلقه قصد القربة، ومن هنا وقع الكلام في الفارق الأول في ثلاث مقامات:

المقام الأول استحالة أخذ قصد امتثال للأمر في شخص متعلق الأمر.

المقام الثاني أخذ قصد القربى في متعلق الأمر.

المقام الثالث أخذ الجامع بين قصد امتثال الأمر هو قصد القربى والعناوين الأخرى كالمحبوبية وغير ذلك في متعلق الأمر.

وقد مضى الكلام في المقام الأول، وذكر الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ أربعة بيانات أقيمت على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر وردها بأجمعها، ثم أقام أربعة وجوه على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر وقبلها، فمجموع وجوه الاستحالة ثمانية.

وقد ذهب مشهور الأصوليين من المتأخرين إلى استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في شخص متعلق الأمر، ووافقهم الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر بناءً على البيانات الأربعة المتأخرة لا البيانات الأربعة المتقدمة.

وقد ناقش البيانات الأربعة المتأخرة سيدنا الأستاذ المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ويمكن مراجعة مناقشة سيدنا الأستاذ الهاشمي لأستاذه السيد محمد باقر الصد في كتاب مباحث الدليل اللفظي، الجزء الثاني، من صفحة ثمانين إلى صفحة أربعة وثمانية.

وخالف المشهور السيد الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ في جواهر الأصول تقرير اللنگرودي الجزء الثاني صفحة مئتين.

وكذلك السيد أبو القاسم الخوئي في محاضرات في أصول الفقه تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض جزء ثلاثة وأربعين من موسوعة الإمام الخوئي صفحة خمسمائة وستة وأربعين خمسمائة وستة وأربعين.

ونحن ذهبنا إلى ما ذهب إليه السيد الخوئي والسيد الإمام الخميني وناقشنا الأدلة الأربعة التي أقامها مشهور الأصوليين على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في شخص متعلق الأمر، وبذلك انتهى المقام الأول من الوجه الأول الذي أقيم على بيان الفرق بين الواجب التعبدي والواجب التوصلي.

المقام الثاني في أخذ قصد القربة بغير معنى قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر، ويمكن تصويره بعدة وجوه.

التصوير الأول أن يؤخذ في متعلق الأمر قصد طبيعي الأمر لا شخص الأمر، وطبيعي الأمر قابلٌ للانطباق على شخص ذلك الأمر أيضاً.

ونحن سنذكر هذه الوجوه من دون حاجة إلى إطالة الكلام في نقضها وإبرامها إذ يكفينا ما ثبت في الأول إذ أنه يمكن ويعقل أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر فلا تصل النوبة إلى المقام الثاني وهذه التفصيل.

ومن أراد التفصيل فليراجع تقرير الشيخ حسن عبد الساتر بحوث في علم الأصول، الجزء الرابع، صفحة مئتين وواحد وعشرين إلى صفحة مئتين واثنين وأربعين.

وليراجع تقرير السيد محمود الهاشمي بحوث في علم الأصول، الجزء الثاني، صفحة أربعة وثمانين إلى صفحة تسعة وثمانين.

ويراجع مباحث الأصول لسيدنا الأستاذ السيد كاظم الحسيني الحائري ـ حفظه الله ـ ، الجزء الثاني، صفحة مئة وسبعة وستين إلى مئة واثنين وثمانين.

إذا التصوير الأول لقصد القربة أن يؤخذ مطلق قصد امتثال الأمر لا شخصه يعني يؤخذ الطبيعي طبيعي الأمر لا شخص الأمر.

طبعاً هذا التصوير الأول ذكره صاحب الكفاية وناقشه.

التصوير الثاني ما نقله المحقق النائيني ـ رحمه الله ـ عن أستاذه المجدد السيد محمد حسن الشيرازي صاحب ثورة التمباك، يراجع أجود التقريرات، الجزء الأول، صفحة مئة وأحد عشر.

وحاصله:

إذا استحال أخذ قصد الامتثال فليؤخذ عنوان ملازم لقصد الامتثال.

والسيد الشهيد الصدر لم يقبله والسيد الخوئي قد قبله، ولا داعي لإطالة الكلام في ذلك.

التصوير الثالث ما يستفاد من كلمات المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ وقد ذكره السيد محمود الهاشمي في تقريره والسيد كاظم الحائري في تقريره ولم يذكر هذا التصوير الثالث في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر في هذا الموضوع بل اقتصر على ذكر ثلاثة وجوه، ونحن نذكر أربعة وجوه.

و قد ذكر المحقق العراقي في مقام الفرار عن محذور أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر من أنه يمكن التوصل إلى نفس النتيجة بجعل الأمر قد تعلق بالحصة التوأم، الله يذكره بالخير أستاذنا آية الله الشيخ باقر الإيرواني ـ حفظه الله ـ كان في مجلس الدرس يقول: إذا اجت الحصة التوأم يعني المحقق العراقي اكو فد اصطلاحات خاصة ببعض الأعلام، فما هو مراد بالحصة التوأم؟ وكيف يتعلق الأمر بالحصة التوأم؟

فيقال: إن الأمر قد تعلق بالمقيد بحيث يكون القيد والتقييد معاً خارجين عن متعلق الأمر، كما لو قيل: اتبعوا خاصف النعل.

يراجع مقالات الأصول، المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ ، الجزء الأول، صفحة ثمانية.

فالمراد هو خصوص المقيد وهو علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ الذي خصف نعله وليس المراد القيد وهو خصف النعل، وليس المراد التقييد وهو تقييد شخصية علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ بخصف النعل.

فالأمر قد تعلق بحصة خاصة، وهي: ذات علي ـ عليه السلام ـ، والقيد وهو خصف النعل إنما يشير إلى هذه الحصة الخاصة، فالقيد والتقييد خارجان عن متعلق الأمر، لكن القيد يشير إلى المقيد.

فالأمر يتعلق بالمقيد وهو الحصة التوأم دون القيد والتقييد أي أن الأمر تعلق بالحصة التوأم مع القيد، لذلك سماها الحصة التوأم، هي حصة توأم مع القيد يعني هذه الحصة ما تتصور من دون القيد.

هذا تمام الكلام في بيان التصوير الثاني.

وجوابه نحن بعد ما نجاوب لكن بعد الأمر نخاف بعد تبقى الشبهة، ويمكن الإجابة عنه بأن الحصة تارة يكون لها ثبوت وتحفظ في الخارج كالمثال: اتبعوا خاصف النعل فحينئذ يخرج القيد والتقييد عن المقيد، وتارة تكون الحصة ليس لها ثبوت وتخصص في الخارج كما لو كانت حصة مفهومية، ومن الواضح أن الحصة المفهومية لا يمكن إخراج القيد فيها عن ذات المقيد فلا يتم كلام المحقق العراقي ـ رضوان الله عليه ـ .

التصوير الرابع أن يؤخذ في متعلق الأمر العبادي أحد القصود القريبة الأخرى غير قصد الأمر، وقد ذكرت عدة قصود:

منها الأول قصدي المحبوبية والإرادة.

الثاني قصد المصلحة والملاك.

الثالث قصد كونه حسناً ذاتاً.

الرابع قصد كون سبحانه وتعالى أهلا للعبادة وغير ذلك من الأمور التي قد تذكر، فبدل عنوان قصد امتثال الأمر أو قصد القربى يذكر عنوان آخر كقصد المحبوبية أو الرغبة في الطاعة إلى آخره.

إلى هنا اتضح في المقام الثاني أن مفهوم قصد القربى الذي أخذ في متعلق الأمر قد يصور بعدة تصويرات ذكرنا أربعة منها.

المقام الثالث أن يؤخذ الجامع بين جميع هذه العناوين في متعلق الأمر، فلا يؤخذ خصوص قصد امتثال الأمر كما في المقام الأول، ولا يؤخذ خصوص قصد القربة بأحد تصويراته الأربعة كما في المقام الثاني، بل يؤخذ الجامع بين هذه العناوين في متعلق الأمر.

ومن الواضح أن الجامع يتحقق بصدق أحد أفراده.

وقد ناقش الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ جميع هذه العناوين في المقامات الثلاثة وأبطلها فهو لا يرى الوجه الأول فارقاً بين الواجب التعبدي والواجب بالتوصلي بل ناقش الوجه الثاني والثالث وانتهى إلى ترجيح الوجه الرابع.

ومن هنا قال في ختام الوجه الأول ما نصّه في تقرير السيد محمود الهاشمي، الجزء الثاني، صفحة تسعة وثمانين:

«وبهذا يتضح أن أخذ قصد القربة بالمعنى المحتمل فقهياً في متعلق الأوامر القريب العبادي مستحيل وفاقاً لما اشتهر بين المحققين المتأخرين، فلا يمكن أن تفسر العبادية بهذا الوجه، أعني أخذ قصد القربة في متعلق الأمر العبادي».

والوجه الأول بمقاماته الثلاثة ومحتملاته كلها تشترك في شيء واحد، وهو: وجود أمر واحد لا أوامر متعددة بخلاف الوجه الثاني الذي سيأتي عليه الكلام فهو يرى وجود أمرين في الواجب العبادي أمر بذات الطبيعة وأمر بقصد القربة عند الإتيان بالطبيعة بخلاف الواجب التوصلي فلا فيه إلا أمر واحد وهو الأمر بذات الطبيعة ولا يوجد أمر بلزوم قصد الامتثال عند الإتيان بالطبيعة.

وكان بالإمكان أن ندخل في تفاصيل المقام الثاني والمقام الثالث لكن كل هذه الأبحاث أبحاث تصورية يعني في تصوير الفارق بين الواجب التعبدي والواجب التوصلي.

والسيد الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ في جواهر الأصول انتهى إلى إمكان أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر، وهذا ما ذهب إليه الإمام الخميني في جوهر الأصول والسيد الخوئي في مصباح الأصول.

وفي المقام الثاني في هذه التصويرات بعض التصويرات قبلوها وبعض التصويرات لم يقبلوها.

وفي المقام الثالث الأخذ بالجامع قبله الإمام الخميني وقبله السيد الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ .

لكن الشهيد الصدر لم يقبل ووافق المشهور.

ولنختم بحث اليوم في خصوص التصوير الأول بما ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ونعم ما قال إذ قال معنى نصّه:

«إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، وهي: أنه لا مانع من أخذ قصد الأمر في متعلقه، وعلى تقدير تسليم استحالته فلا مانع من أخذ الجامع بينه وبين بقية الدواعي فيه، كما أنه لا مانع من أخذ بقية الدواعي، وعلى تقدير استحالته أيضاً فلا مانع من أخذ العنوان الملازم لعنوان قصد الأمر في متعلقه، وعلى تقدير استحالته أيضاً فلا مانع من بيان ذلك بجملة خبرية أو بالأمر الثاني.

وعلى ضوء هذا الاساس لو شككناه في اعتبار قصد القربة في عملٍ فلا مانع من التمسك بالإطلاق لنفي اعتباره»[1] .

انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول للتفرقة بين الواجب التعبدي والواجب التوصلي واتضح أن الوجه الأول تام سواء أخذنا بأخذ قصد امتثال الأمر كما في المقام الأول أو أخذنا ببعض الوجوه في المقام الثاني كقصد المحبوبية أو أخذنا بالجامع كما في المقام الثالث، فالوجه الأول وجيه تامٌ لا غبار عليه.

الوجه الثاني يأتي عليه الكلام.


[1] محاضرات في أصول الفقه، ج43، ص146.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo