< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وخمسة وثمانون: الأدلة على كون السهام الستة مصرف الخمس

 

الوجه الثاني الدال على أن سهام الخمس بنحو المصرف لا الملك التمسك بالروايات الدالة على أن السهام الستة مصرف للخمس وليست على نحو الملك، وهي ست طوائف:

الطائفة الأولى أخبار التحليل التي حلل فيها الأئمة ـ عليهم السلام ـ مال الخمس لشيعتهم[1] ، وروايات التحليل كثيرة وصريحة في أن الخمس كله للإمام ـ عليه السلام ـ وفي بعضها أنه لفاطمة ـ عليها السلام ـ بنت رسول الله ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الذين جعلهم الله حججاً على الناس فهو لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا ولذلك حللوه لشيعتهم، وهذا يلازم عرفاً وعقلاً أنهم مالكون لتمام الخمس إذ كيف يتصرف في تمام الخمس مع أنه لا يملكه أو لم يؤذن له بذلك.

الطائفة الثانية الأخبار التي تفيد أن الله عزّ وجل رضي من الأشياء بالخمس[2] .

فهذه الروايات تدل على أن الخمس ملك لله تبارك وتعالى بضم ما روي أن ما كان لله فهو للرسول وما كان للرسول فهو للإمام فيثبت سهم الإمام ـ عليه السلام ـ .

الطائفة الثالثة ما ورد في تقسيم الخمس كمرسل حماد عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح ـ عليه السلام ـ الإمام الكاظم، وهناك من يرى أن مراسيل أصحاب الإجماع حجة، بل روايات أصحاب الإجماع كلها حجة، وحماد بن عيسى غريق الجحفة من أصحاب الإجماع، قال الإمام الكاظم ـ عليه السلام ـ رواية طويلة وهذا المقطع:

«فسهم الله وسهم الرسول لأولي الأمر من بعد رسول الله وراثة، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله وله نصف الخمس كملاً ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته»[3] .

تقريب الاستدلال:

دلت الرواية على أن نصف الخمس للإمام ـ عليه السلام ـ وهو سهم الإمام وله التصرف في موارد ومصارف السهم الآخر.

الطائفة الرابعة روايات ما يجب فيه الخمس[4] فقد دلت على أن الخمس للإمام ـ عليه السلام ـ .

الطائفة الخامسة الأخبار التي وردت في عدم وجوب استيعاب الأصناف المذكورة في الآية الشريفة، وأن الإمام ـ عليه السلام ـ كرسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يعطي على ما يرى[5] .

فمفاد هذه الطائفة عدم لزوم البسط على الأصناف الثلاثة وهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، فقد ذهب إذا لزوم البسط صاحب الحدائق الناظر الشيخ يوسف البحراني، لكن ما يستفاد من الطائفة الخامسة عدم لزوم استيعاب هذه الأصناف.

الطائفة السادسة ما ورد لبيان وجه معائش الناس وأسبابها، فقد ورد في رسالة المحكم والمتشابه نقلاً عن تفسير النعماني بالإسناد عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ قوله: «وأما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها فقد اعلمنا الله سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه الأمارة ووجه العمارة ووجه الإيجارة ووجه التجارة ووجه الصدقات، فأما وجه الأمارة فقوله: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين)[6] فجعل لله خمس الغنائم»[7] .

فالحاصل أن المستفاد من هذه الطوائف كون الخمس لمنصب الإمامة وأن السهام الستة وخصوصاً السهام الثلاثة الأخيرة هي مصرف للخمس لا أن أصحاب السهام يملكون الخمس.

يراجع هذا الوجه وهذه الوجوه كتاب شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري، الخمس في فقه أهل البيت، الجزء الثاني، صفحة ثلاثمائة وأربعة وعشرين إلى ثلاثمائة وستة وعشرين.

وهذه الوجوه ذكرها سيدنا الأستاذ سماحة آية السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ في كتاب الخمس الجزء الثاني، وقد ذهب سيدنا الأستاذ الهاشمي إلى أن الخمس حق واحد وحداني لله عزّ وجل والتصرف فيه بيد النبي ومن بعده الإمام ومن بعده الفقيه الجامع للشرائط وبقية السهام مصرف له.

وخالفه في ذلك شيخنا الأستاذ الداوري وذهب إلى ما ذهب إليه المشهور من أن هذه السهام تملك وأن الخمس وسهامه بنحو الملك لا بنحو المصرف، نحن إلى هنا ذكرنا أدلة الطرفين لم نناقشها المناقشة بعد ذلك.

الوجه الثالث التمسك بسيرة المتشرعان القائمة على أن الخمس كله للإمام ـ عليه السلام ـ فالشيعة كانوا يدفعون الخمس إلى الإمام ـ عليه السلام ـ أو وكيله ولا يتعاملون مع الخمس كما يتعاملون مع الزكاة من الصرف مباشر على فقراء بني هاشم مع أن مورد الخمس يكثر الابتلاء به واستمرت هذه السيرة من إيصال الخمس إلى الإمام أو وكيله إلى نهاية الغيبة الصغرى بل حتى بعد وقوع الغيبة الكبرى.

واختلفت بعد ذلك الآراء في كيفية التصرف في الخمس، ونسب إلى بعض الأصحاب القول بلزوم حفظ الخمس والإيصاء به إلى أن يظهر صاحب العصر والزمان، ونسب إلى بعض آخر لزوم كنز الخمس ودفنه حتى يستخرجه الإمام المهدي عند ظهوره مع بقية كنوز الأرض إذ ورد في إذا ظهر المهدي أخرجت الأرض كنوزها.

أتذكر أول ما جيت إيران قبل واحد وثلاثين سنة، سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين ذهبنا إلى أصفهان في مسجد، مسجد لطف الله في ميدان إمام خميني، وذهبنا هناك مجموعة من المساجد فكان المرشد السياحي يقول: انظروا إلى هذا الكاشي والسيراميك هنا مختلف وهنا مختلف، لماذا؟

قال: لأن الهولنديين والمستعمرين حينما جاؤوا إلى إيران حفروا هذا المسجد وأخرجوا الأخماس التي كانت تكنز وتدفن لأنه إذا ظهر المهدي أخرجت الأرض فوجدوا هذه العملات وهذه الكنوز.

كيف كان فدفن الخمس وكنزه بقطع النظر عن أو عدم صحته هذا يدل على أنهم كانوا يرون أن الخمس بتمامه كان حقاً للإمام ـ عليه السلام ـ ، وإن رجعوا بعد ذلك وتحقق عندهم وجوب في ما كان الإمام ـ عليه السلام ـ يصرفه وأن صرف الخمس في مورده إما أن يكون بواسطة المالك نفسه بعد أخذ الإذن من الحاكم الشرعي أو عن طريق إيصال الخمس إلى الفقيه الجامع للشرائط باعتبار كونه وليا للخمس وحاكما من قبل الإمام ـ عليه السلام ـ .

فالفقيه في عصر الغيبة هو المتصدي لصرف الخمس في موارده، أما سهم الإمام وهو النصف الأول فباعتبار ولاية هذا الفقيه على ما كان لله وللرسول، وأما سهم السادة فمرجعه إلى ولي السادة وفي عصر الغيبة أبرز وليا للسادة النجباء الذي يرعى حقوقهم هو الفقيه الجامع للشرئط.

فالفقيه يصرف الخمس فيما يحرز به رضا الإمام ـ عليه السلام ـ وهو الأصوب والأقرب إلى الواقع، وكل ما ذكرناه لا يوجب الخدشة في دعوى السيرة على كون الحق لمنصب الإمامة وليس ملكاً شخصياً للإمام ـ عليه السلام ـ.

نعم، صار العمل من المتشرعة على تقسيم الخمس، وجعل نصفه ملكاً للسادة المستحقين عن الفقراء السادة المستحقين، والنصف الآخر ملكاً للإمام ـ عليه السلام ـ هذا بسبب فتوى المشهور لكنه لا يضر في تحقق السيرة المذكورة فبحسب فتوى المشهور يقسم الخمس إلى قسمين:

سهم إمام يشترط فيه إحراز رضا صاحب العصر والزمان ويجوز صرف على الغني ولا يشترط فيه الفقر، بل لا يشترط فيه الإمامية المهم فيه ترويج الدين.

بخلاف سهم السادة فإنه يشترط فيه الفقر ويشترط فيه أن يكون مورده شيعياً إمامياً ولا يجوز صرف سهم السادة على غير الإمام أو الغني من السادة النجباء كثر الله أمثالهم وذراريهم.

هذا تمام الكلام في الوجه الثالث التمسك بسيرة المتشرعة.

الوجه الرابع أقرب إلى الاستحسان وهو أن كون نصف الخمس لفقراء بني هاشم لا يتفق مع حكمة التشريع لأن المعروف بين الأصحاب ووجوب الزكاة في تسعة أشياء ووجوب الخمس في سبعة أشياء، ومنها المعادن على كثرتها والأرباح أرباح المكاسب على وفرة شعبها من تجارات وزراعات وصناعات وإيجارات، فالكثير من موارد الخمس السبعة كالكنز والمعادن وأرباح التجارة ونتائج الغوص فيه مالٌ وفير ولا يختص بعصر دون عصر فالخمس ثروة عظيمة خطيرة وفيرة لا تكاد تحصى، فهل يكون مصرفها بنو هاشم ويكون نصف هذه الموارد الوفيرة لخصوص بني هاشم وهم بالقياس إلى سائر الناس ثلة صغيرة؟

بينما الأموال الزكوية وموارد الزكاة قليلة كالأنعام والغلات ويشترط فيها شروط أن تكون سائحة ووفقاً لشروط الزكاة تكون موارد الزكاة قليلة خصوصاً أن الشيعة الإمامية لا يرون الزكاة في العملة المضروبة بسكة المعاملة يعني في الأوراق النقدية وإنما في خصوص الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة، فتكون أكثر موارد الزكاة زكاة الفطرة، وهي موارد شحيحة.

كما أن الخمس عشرين في المئة بينما الزكاة يجب فيها العشر أو نصف العشر أو ربعه مع أن مصارفه ثمانية، ومنها سبل الخير كلها كإحداث المساجد والمستشفيات والطرق والجسور للجهاد والكثير من الموارد من الزكاة لا من الخمس، فالسيد السيستاني والسيد القائد الخامنئي يستشكلان في بناء المسجد من أموال الخمس.

ومع ذلك كله ذكروا أن زكاة بني هاشم يجوز صرفها عليهم أنفسهم وأنت ترى أن عدد بني هاشم بالقياس وبالنسبة إلى غيرهم في غاية القلة، ولا سيما في صدر الإسلام.

وبعد هذه الموازنة والمقايسة ألا يعد صرف الأموال الطائلة من الخمس على أفراد قليلة من السادة وليس كل سادة بعد الفقراء من السادة مخالفاً لحكمة التشريع، ولا سيما بملاحظة ما ورد في أخبار كثيرة من أن الله تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، فيستفاد منها أن الجعل والتشريع كان على حساب الحاجات، فيتعين أن يكون الخمس حقاً وحدانياً جعل لمنصب الإمامة والحكم، وأن للإمام ـ عليه السلام ـ والحاكم الشرعي بإذن الإمام أن يصرفه في جميع ما يراه من مصالح نفسه ومصالح المسلمين.

فمفاد الوجه الرابع أنه بملاحظة وفرة موارد الخمس من جهة وقلة مصرفة بالنسبة إلى خصوص السادة، ومن جهة أخرى ملاحظة قلة موارد الزكاة، ومن جهة أخرى وفرة مصارف الزكاة هذا يدعونا إلى ماذا؟ إلى التأمل في اختصاص نصف الخمس بخصوص السادة الفقراء.

هذه الوجوه إن شاء الله كلها تناقش يعني إلى هنا انتهينا من بيان الوجوه الأربعة على أن السهام الستة بنحو المصرف لا بنحو الملك، كما انتهينا من بيان الوجوه الثلاثة على أن السهام الستة بنحو الملك لا بنحو المصرف.

يبقى الكلام في مناقش هذه الوجوه أي وجوه القولين، يأتي عليها الكلام.


[1] وسائل الشيعة، ج9، ص540، الباب4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ـ عليه السلام ـ.
[2] وسائل الشيعة، ج9، ص506، الباب10 من أبواب ما بجب فيه الخمس، الحديث 4.وسائل الشيعة، ج19، ص270، الباب9 من كتاب الوصايا، الحديث 3.
[3] وسائل الشيعة، ج9، ص519، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.
[4] وسائل الشيعة، ج9، ص500 إلى 503، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 و 3 و 5 و 8.
[5] وسائل الشيعة، ج9، ص519، الباب2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.
[7] وسائل الشيعة، ج9، ص489، الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo