فإن قلت[1] : فعلى أيّ شي‌ءٍ تحمل تلك الأخبار الكثيرة الآمرة بطرح مخالف الكتاب؟ فإنّ[2] حملها[3] على طرح ما يباين الكتاب كليّةً حملٌ على فردٍ نادرٍ بل معدوم، فلا ينبغي لأجله هذا الاهتمام[4] الذي عرفته في الأخبار.

قلت: هذه الأخبار على قسمين:

منها: ما يدلّ على عدم صدور الخبر المخالف للكتاب و السنّة عنهم عليهم السّلام، و أنّ المخالف لهما باطلٌ، و أنّه ليس بحديثهم.

و منها: ما يدلّ على عدم جواز تصديق الخبر المحكيّ عنهم عليهم السّلام إذا خالف الكتاب و السنّة.

أمّا الطائفة الاُولى[5] - فالأقرب حملها على الأخبار الواردة في اُصول الدين[6] ، مثل مسائل الغلوّ و الجبر و التفويض التي ورد فيها الآيات و الأخبار النبويّة، و هذه الأخبار غير موجودةٍ في كتبنا الجوامع؛ لأنّها اُخذت عن الاُصول[7] بعد تهذيبها[8] من تلك الأخبار.

و أمّا الثانية[9] - فيمكن حملها على ما ذكر في الاُولى[10] . و يمكن حملها على صورة تعارض الخبرين[11] ؛ كما يشهد به مورد بعضها. و يمكن حملها على خبر غير الثقة[12] ؛ لما سيجي‌ء من الأدلّة على اعتبار خبر الثقة.

هذا كلّه في الطائفة الدالّة على طرح الأخبار المخالفة للكتاب و السنّة.

جلسه 105 (ص 251)

و أمّا الطائفة الآمرة بطرح ما لا يوافق‌ الكتاب أو[13] لم يوجد عليه شاهدٌ من الكتاب و السنّة:

فالجواب عنها[14] - بعد ما عرفت‌[15] من القطع بصدور الأخبار الغير الموافقة[16] لما يوجد في الكتاب منهم[17] عليهم السّلام، كما دلّ عليه[18] روايتا الاحتجاج و العيون المتقدّمتان[19] ‌ المعتضدتان بغيرهما من الأخبار-:

أنّها[20] محمولةٌ على ما تقدّم[21] في الطائفة الآمرة بطرح الأخبار المخالفة للكتاب و السنّة.

و أنّ ما دلّ منها على بطلان ما لم يوافق و كونِه زخرفاً محمولٌ على الأخبار الواردة في اُصول الدين، مع احتمال كون ذلك[22] من أخبارهم الموافقة للكتاب و السنّة على‌ الباطن الذي يعلمونه منهما؛ و لهذا كانوا يستشهدون كثيراً بآيات لا نفهم[23] دلالتها.[24]

و ما دلّ على عدم جواز تصديق الخبر الذي لا يوجد عليه شاهدٌ من كتاب اللّه، على خبر غير الثقة أو صورة التعارض؛ كما هو ظاهر غير واحد من الأخبار العلاجيّة.

ثمّ إنّ الأخبار المذكورة- على فرض تسليم دلالتها[25] - و إن كانت كثيرة، إلّا أنّها لا تقاوم الأدلّة الآتية؛ فإنّها[26] موجبةٌ للقطع بحجّيّة خبر الثقة، فلا بدّ من مخالفة[27] الظاهر في هذه الأخبار.

و أمّا الجواب عن الإجماع الذي ادّعاه السيّد و الطبرسي قدّس سرّهما: فبأنّه لم يتحقّق لنا هذا الإجماع[28] ، و الاعتماد على نقله تعويلٌ على خبر الواحد[29] ، مع معارضته بما سيجي‌ء: من دعوى الشيخ- المعتضدة بدعوى جماعة اُخرى- الإجماعَ[30] على حجّيّة خبر الواحد في الجملة[31] ، و تحقّقِ[32] الشهرة على خلافها[33] بين القدماء و المتأخّرين‌.

و أمّا نسبة بعض[34] العامّة- كالحاجبيّ و العضديّ‌- عدمَ الحجّيّة إلى الرافضة، فمستندةٌ[35] إلى ما رأوا من السيّد: من دعوى الإجماع بل ضرورة المذهب على كون خبر الواحد كالقياس عند الشيعة.[36]