و أمّا أخبار العرض على الكتاب، فهي و إن كانت متواترةً بالمعنى[1] إلّا أنّها بين طائفتين:

إحداهما: ما دلّ على طرح الخبر الذي يخالف الكتاب.

و الثانية: ما دلّ على طرح الخبر الذي لا يوافق الكتاب.

أمّا الطائفة الاُولى، فلا تدلّ على المنع[2] عن الخبر الذي لا يوجد مضمونه في الكتاب و السنّة.

فإن قلت: ما من واقعةٍ إلّا و يمكن استفادة حكمها من عمومات الكتاب المقتصر[3] في تخصيصها على السنّة القطعيّة، مثل قوله تعالى:

«خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» البقرة /29، و قوله تعالى: «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ... الخ‌» البقرة/173، و «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً»الأنفال /69، و «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» البقرة/185، و نحو ذلك، فالأخبار المخصّصة لها- كلّها- و لكثير من عمومات السنّة القطعيّة، مخالفةٌ للكتاب و السنّة[4] .

جلسه 103 (ص 247)

قلت:

أوّلاً: إنّه لا يُعَدُّ مخالفةُ[5] ظاهر العموم- خصوصاً مثل هذه‌[6] العمومات-، مخالفة؛ و إلّا[7] لعُدّت الأخبار الصادرة يقيناً[8] عن الأئمّة عليهم السّلام المخالفةُ[9] لعمومات الكتاب و السنّة النبويّة، مخالفةً[10] للكتاب و السنّة، غاية الأمر ثبوت الأخذ بها[11] مع مخالفتها لكتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، فتخرج[12] عن عموم أخبار العرض، مع أنّ الناظر في أخبار العرض على الكتاب و السنّة يقطع بأنّها تأبى عن التخصيص[13] .

و كيف يُرتكب التخصيص في قوله عليه السّلام: «كلُّ حديث لا يُوافِقُ كتابَ اللّه فهو زُخرُفٌ»، و قوله: «ما أتاكم من حديث لا يوافِق كتابَ اللّه فهو باطلٌ»، و قوله عليه السّلام: «لا تَقبَلوا علينا خلاف القرآن؛ فإنّا إن حدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن و موافقة السنّة»، و قد صحّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «ما خالف كتاب اللّه فليس من حديثي‌، أو لم أقلُه»، مع أنّ أكثر عمومات الكتاب قد خُصّص[14] بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟

و ممّا يدلّ على أنّ المخالفة لتلك العمومات لا تعدّ مخالفةً: ما دلّ[15] من الأخبار على بيان حكم ما لا يوجد حكمه في الكتاب و السنّة النبويّة؛ إذ بناءً على تلك العمومات لا يوجد واقعةٌ لا يوجد حكمها فيهما.

فمن تلك الأخبار[16] : ما عن البصائر و الاحتجاج و غيرهما مرسلاً عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال:

«ما وجدتم في كتاب اللّه فالعمل به لازمٌ و لا عُذر لكم في تركه، و ما لم يكن في كتاب اللّه تعالى و كانت فيه سنّة منّي فلا عذرَ لكم في ترك سنّتي‌، و ما لم يكن فيه سنّةٌ منّي، فما قال أصحابي فقولوا به؛ فإنّما مَثَلُ أصحابي فيكم كمَثَل النجوم، بأيّها اُخذ اهتُدي، و بأيّ أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم، و اختلافُ أصحابي[17] رحمةٌ لكم، قيل: يا رسول اللّه، و مَن أصحابك؟ قال: أهلُ بيتي ... الخبر».

فإنّه صريحٌ في أنّه قد يرد من الأئمّة عليهم السّلام ما لا يوجد في الكتاب و السنّة[18] .

و منها: ما ورد في تعارض الروايتين: مِن ردّ ما لا يوجد في الكتاب و السنّة إلى الأئمّة عليهم السّلام.

مثل: ما رواه في العيون عن ابن الوليد، عن سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن عبد اللّه المسمعي، عن الميثميّ، و فيها:

«فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب اللّه»- إلى أن قال:- «و ما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سُنَن‌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»- إلى أن قال:- «و ما لم تجدوه‌ في شي‌ءٍ من هذه فردّوا إلينا علمه، فنحن أولى بذلك ... الخبر».

و الحاصل: أنّ القرائن الدالّة على أنّ المراد بمخالفة الكتاب ليس مجرّد مخالفة عمومه أو إطلاقه كثيرةٌ[19] ، تظهر لمن له أدنى تتبّع.

و من هنا يظهر[20] : ضعف التأمّل في تخصيص الكتاب بخبر الواحد لتلك الأخبار، بل منعه لأجلها كما عن الشيخ في العدّة[21] . أو لما ذكره المحقّق: من أنّ الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد الإجماعُ على استعماله فيما لا يوجد فيه دلالةٌ[22] ، و مع الدلالة القرآنيّة يسقط وجوب العمل به‌.

و ثانياً[23] : إنّا نتكلّم في الأحكام التي لم يرد فيها عمومٌ من القرآن و السنّة، ككثيرٍ من أحكام المعاملات بل العبادات التي لم ترد فيها إلّا آياتٌ مجملةٌ أو مطلقةٌ من الكتاب؛ إذ لو سلّمنا أنّ تخصيص العموم يُعدّ مخالفةً، أمّا تقييد المطلق فلا يُعدُّ في العرف مخالفةً[24] ، بل هو مفسّرٌ، خصوصاً على المختار[25] : من عدم كون المطلق مجازاً عند التقييد.