[حجية خبر الواحد[1] ]

و من جملة الظنون الخارجة بالخصوص[2] ، عن أصالة حرمة العمل بغير العلم:

خبر الواحد- في الجملة[3] - عند المشهور، بل كاد[4] أن يكون إجماعاً [5] .

إعلم[6] : أنّ إثبات الحكم الشرعيّ بالأخبار المرويّة عن الحجج عليهم السّلام‌ موقوفٌ على مقدّماتٍ ثلاث:

الاُولى: كون الكلام صادراً عن الحجّة[7] .

الثانية: كون صدوره لبيان حكم اللّه، لا على وجهٍ آخر، من تقيّةٍ أو غيرها[8] .

الثالثة: ثبوتُ دلالته[9] ‌ على الحكم المدّعى، و هذا[10] يتوقّف:

أوّلاً: على تعيين أوضاع ألفاظ الرواية[11] .

و ثانياً: على تعيين المراد[12] منها[13] ، و أنّ المراد مقتضى وضعها أو[14] غيره.

فهذه اُمورٌ أربعة:

قد أشرنا إلى كون الجهة الثانية من المقدّمة الثالثة من الظنون الخاصّة[15] ، و هو المعبَّر عنه بالظهور اللفظيّ، و إلى أنّ الجهة الاُولى منها ممّا لم يثبت كون الظنّ الحاصل فيها بقول اللغوي من الظنون الخاصّة، و إن لم نستبعد الحجّية أخيراً.

و أمّا المقدّمة الثانية: فهي أيضاً[16] ثابتةٌ بأصالة عدم صدور الرواية لغير داعي بيان الحكم الواقعيّ، و هي حجّة؛ لرجوعها إلى القاعدة المجمع عليها بين العلماء و العقلاء: من حمل كلام المتكلّم على كونه[17] صادراً لبيان مطلوبه[18] الواقعيّ، لا لبيان خلاف مقصوده من تقيّةٍ أو خوف؛ و لذا لا يُسمع[19] دعواه[20] ممّن يدّعيه إذا لم يكن كلامه محفوفاً بأماراته.[21]

و أمّا المقدّمة الاُولى: فهي التي عُقد لها مسألة حجّيّة أخبار الآحاد، فمرجع هذه المسألة إلى أنّ السنّة- أعني قول الحجّة أو فعله أو تقريره- هل تثبت بخبر الواحد أم لا تثبت إلّا بما يفيد القطع من التواتر و القرينة؟[22]

جلسه 99 (ص 239)

و من هنا[23] يتّضح دخولها[24] في مسائل اُصول الفقه الباحثة عن أحوال الأدلّة، و لا حاجة إلى تجشّم[25] دعوى: أنّ البحث عن دليليّة الدليل بحثٌ عن أحوال الدليل[26] ‌.

ثمّ اعلم: أنّ أصل[27] وجوب العمل بالأخبار المدوّنة في الكتب المعروفة ممّا اُجمع عليه في هذه الأعصار[28] ، بل لا يبعد كونه ضروريّ المذهب.

و إنّما الخلاف في مقامين:

أحدهما: كونها مقطوعة الصدور أو غير مقطوعة؟

فقد ذهب شِرذِمَةٌ من متأخّري الأخباريّين‌- فيما نسب إليهم- إلى كونها قطعيّة الصدور.

و هذا قولٌ لا فائدة في بيانه و الجواب عنه، إلّا التحرّز عن حصول هذا الوهم لغيرهم كما حصل لهم؛ و إلّا فمدّعي القطع لا يُلزَم[29] بذكر ضعف مبنى قطعه. و قد كتبنا في سالف الزمان في ردّ هذا القول رسالةً تعرّضنا فيها لجميع ما ذكروه، و بيان ضعفها بحسب ما أدّى إليه فهمي القاصر.

الثاني: أنّها[30] مع عدم قطعيّة صدورها معتبرةٌ بالخصوص أم لا؟

فالمحكيّ عن السيّد و القاضي‌ و ابن زهرة و الطبرسي‌ و ابن إدريس قدّس اللّه أسرارهم: المنعُ[31] ، و ربما نسب إلى المفيد قدّس سرّه؛ حيث حكى عنه في المعارج‌ أنّه قال[32] : «إنّ خبر الواحد القاطع للعذر[33] هو الذي يقترن إليه دليلٌ[34] يفضي بالنظر إلى العلم، و ربما يكون ذلك إجماعاً أو شاهداً من عقل»، و ربما ينسب إلى الشيخ، كما سيجي‌ء عند نقل كلامه‌، و كذا إلى المحقّق، بل إلى ابن بابويه، بل في الوافية: أنّه لم يجد القولَ بالحجّيّة صريحاً ممّن تقدّم على العلّامة[35] ، و هو عجيبٌ.

و أمّا القائلون بالاعتبار[36] ، فهم مختلفون من جهة: أنّ المعتبر منها كلّ ما في الكتب المعتبرة[37] - كما يحكى عن بعض‌ الأخباريّين‌ أيضاً[38] ، و تبعهم بعض المعاصرين من الاُصوليّين بعد استثناء ما كان مخالفاً للمشهور-، أو أنّ المعتبر بعضها، و أنّ المناط في الاعتبار عمل الأصحاب[39] كما يظهر من كلام المحقّق، أو عدالة الراوي، أو وثاقته[40] ، أو مجرّد الظنّ بصدور الرواية من غير اعتبار صفةٍ في الراوي[41] ، أو غير ذلك من التفصيلات‌[42] .

و المقصود هنا: بيان إثبات حجّيّته[43] بالخصوص في الجملة في مقابل السلب الكلّي[44] .

و لنذكر- أوّلاً- ما يمكن أن يحتجّ به القائلون بالمنع[45] ، ثمّ نعقّبه بذكر أدلّة الجواز[46] ، فنقول: