[1] لكنّك خبيرٌ: بأنّ هذه الفائدة[2] للإجماع المنقول كالمعدومة؛ لأنّ القدر الثابت[3] من الاتّفاق بإخبار[4] الناقل- المستند[5] إلى حسّه- ليس ممّا يستلزم[6] عادةً موافقة الإمام عليه السّلام، و إن كان هذا الاتّفاق (لو ثبت لنا[7] ) أمكن[8] أن يحصل العلم بصدور مضمونه، لكن ليس علّةً تامّةً لذلك[9] ، بل هو نظير إخبار عددٍ معيّن في كونه[10] قد يوجب العلم بصدق خبرهم[11] و قد لا يوجب. و ليس أيضاً[12] ممّا يستلزم عادةً وجودَ الدليل المعتبر حتّى بالنسبة إلينا[13] ؛ لأنّ استناد كلّ بعضٍ منهم إلى ما لا نراه[14] دليلاً، ليس أمراً مخالفاً للعادة.

أ لا ترى[15] : أنّه ليس من البعيد أن يكون القدماء القائلون بنجاسة البئر، بعضهم قد استند إلى دلالة الأخبار الظاهرة في ذلك مع عدم الظفر بما يعارضها، و بعضهم قد ظفر بالمعارض و لم يعمل به؛ لقصور سنده، أو لكونه من الآحاد عنده، أو لقصور دلالته، أو لمعارضته لأخبار النجاسة و ترجيحها عليه‌ بضربٍ من الترجيح، فإذا ترجّح في نظر المجتهد المتأخّر أخبار الطهارة فلا يضرّه اتّفاقُ القدماء على النجاسة المستندُ إلى الاُمور المختلفة المذكورة.

و بالجملة: الإنصاف‌- بعد التأمّل و ترك المسامحة بإبراز المظنون[16] بصورة القطع كما هو[17] متعارف محصّلي عصرنا- أنّ اتّفاق من يمكن تحصيل فتاواهم على أمرٍ كما لا يستلزم عادةً موافقة الإمام عليه السّلام، كذلك لا يستلزم وجود دليلٍ معتبرٍ[18] عند الكلّ من جهةٍ[19] أو من جهاتٍ شتّى[20] .

فلم يبق في المقام[21] إلّا أن يحصِّل المجتهد أماراتٍ أُخر من أقوال‌ باقي العلماء و غيرها[22] ليضيفها إلى ذلك[23] ، فيحصل من مجموع المحصَّل له[24] و المنقول إليه- الذي فرض بحكم المحصَّل من حيث وجوب العمل به تعبّداً[25] - القطعُ في مرحلة الظاهر باللازم، و هو قول الإمام عليه السّلام أو وجود دليلٍ معتبر الذي هو أيضاً يرجع إلى حكم الإمام عليه السّلام بهذا الحكم الظاهري المضمون لذلك الدليل، لكنّه أيضاً مبنيٌّ على كون مجموع المنقول من الأقوال و المحصَّل من الأمارات ملزوماً عاديّاً لقول الإمام عليه السّلام أو وجود الدليل المعتبر، و إلّا فلا معنى لتنزيل المنقول منزلة المحصَّل بأدلّة حجّية خبر الواحد، كما عرفت سابقاً[26] .

و من ذلك ظهر: أنّ ما ذكره هذا البعض[27] ليس تفصيلاً[28] في مسألة حجّية الإجماع المنقول، و لا قولاً بحجّيته[29] في الجملة من حيث إنّه إجماع منقول، و إنّما يرجع محصَّله إلى: أنّ الحاكي للإجماع‌ يُصدَّق فيما يخبره عن حسٍّ، فإن فرض كون ما يخبره عن حسّه ملازماً- بنفسه أو بضميمة أماراتٍ أُخر- لصدور الحكم الواقعي أو مدلول الدليل المعتبر عند الكلّ، كانت حكايته[30] حجّةً؛ لعموم أدلّة حجّية الخبر في المحسوسات، و إلّا فلا، و هذا[31] يقول به كلّ من يقول بحجّية الخبر في الجملة[32] ، و قد اعترف بجريانه في نقل الشهرة[33] و فتاوى آحاد العلماء.

جلسه 92 (ص 227)

و من جميع ما ذكرنا[34] يظهر الكلام في المتواتر[35] المنقول، و أنّ نقل[36] التواتر في خبرٍ لا يُثبت[37] حجّيته و لو قلنا بحجّية خبر الواحد؛ لأنّ التواتر صفةٌ في الخبر تحصل بإخبار جماعةٍ[38] تفيد العلم للسامع، و يختلف عدده[39] باختلاف خصوصيّات المقامات، و ليس كلّ تواترٍ ثبت لشخصٍ ممّا يستلزم في نفس الأمر عادةً تحقّقَ المخبر به[40] ، فإذا أخبر بالتواتر فقد أخبر بإخبار جماعةٍ أفاد له العلم بالواقع، و قبول هذا الخبر لا يجدي شيئاً[41] ؛ لأنّ المفروض أنّ تحقّق مضمون المتواتر ليس من لوازم إخبار الجماعة الثابت[42] بخبر العادل.

نعم[43] ، لو أخبر بإخبار جماعةٍ يستلزم عادةً تحقّق المخبَر به، بأن يكون حصول العلم بالمخبَر به، لازم الحصول لإخبار الجماعة- كأن أخبر مثلاً بإخبار ألف عادل أو أزيد بموت زيدٍ و حضور جنازته- كان اللازم من قبول خبره الحكم بتحقّق الملزوم و هو إخبار الجماعة، فيثبت[44] اللازم و هو تحقّق موت زيد.

إلّا[45] أنّ لازم من يعتمد على الإجماع المنقول- و إن كان إخبار الناقل مستنداً إلى حدسٍ غير مستندٍ إلى المبادئ المحسوسة المستلزمة للمخبر به- هو القول بحجّية التواتر المنقول[46] .

جلسه 93 (ص 227)

لكن[47] ليُعلم: أنّ معنى قبول نقل التواتر مثل الإخبار بتواتر موت زيدٍ مثلاً، يتصوّر على وجهين:

الأوّل: الحكم بثبوت الخبر المدّعى تواتره[48] أعني موت زيد[49] ، نظير حجّية الإجماع المنقول بالنسبة إلى المسألة المدّعى عليها الإجماع، و هذا هو الذي ذكرنا: أنّه يشترط في قبول خبر الواحد فيه، كون ما أخبر به مستلزماً[50] عادةً لوقوع متعلّقه.

الثاني: الحكم بثبوت تواتر[51] الخبر المذكور ليترتّب‌ على ذلك الخبر آثار المتواتر و أحكامه الشرعيّة، كما إذا نذر أن يحفظ أو يكتب كلّ خبرٍ متواتر. ثمّ أحكام التواتر[52] ، منها ما ثبت لما تواتر في الجملة و لو عند غير هذا الشخص، و منها ما ثبت لما تواتر بالنسبة إلى هذا الشخص[53] .

و لا ينبغي الاشكال في أنّ مقتضى قبول نقل التواتر العمل به على الوجه الأوّل، و أوّل وجهي الثاني، كما لا ينبغي الاشكال في عدم ترتّب[54] آثار تواتر المخبر به عند نفس هذا الشخص.

و من هنا يعلم[55] : أنّ الحكم بوجوب القراءة في الصلاة إن كان منوطاً بكون المقروء قرآناً واقعيّاً قرأه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فلا إشكال في جواز الاعتماد على إخبار الشهيد رحمه اللّه بتواتر القراءات الثلاث[56] ‌، أعني قراءة أبي جعفر و أخويه‌، لكن بالشرط المتقدّم، و هو كون ما أخبر به الشهيد من التواتر ملزوماً عادةً لتحقّق القرآنيّة[57] .

و كذا[58] لا إشكال في الاعتماد من دون شرطٍ إن كان الحكم منوطاً بالقرآن المتواتر في الجملة[59] ؛ فإنّه قد ثبت تواتر تلك القراءات عند الشهيد بإخباره‌.

و إن كان الحكم معلّقاً على القرآن المتواتر عند القارئ أو مجتهده، فلا يجدي إخبار الشهيد بتواتر تلك القراءات.

و إلى أحد الأوّلين نظر حكم المحقّق و الشهيد الثانيين‌ بجواز القراءة بتلك القراءات؛ مستنداً إلى أنّ الشهيد و العلّامة قدّس سرّهما قد ادّعيا تواترها[60] و أنّ هذا لا يقصر[61] عن نقل الإجماع.

و إلى الثالث نظر صاحب المدارك‌ و شيخه المقدّس الأردبيلي‌ قدّس سرّهما، حيث اعترضا على المحقّق و الشهيد: بأنّ هذا رجوعٌ[62] عن اشتراط التواتر في القراءة.

و لا يخلو نظرهما عن نظر[63] ، فتدبّر.

و الحمد للّه، و صلّى اللّه على محمّد و آله، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.