نعم[1] ، يبقى هنا[2] شي‌ءٌ، و هو: أنّ هذا المقدار من النسبة[3] المحتمل استناد الناقل فيها إلى الحسّ[4] ، يكون خبره[5] حجّةً[6] فيها؛ لأنّ[7] ظاهر الحكاية محمولٌ على الوجدان[8] إلّا إذا قام هناك صارفٌ[9] ، و المعلوم من الصارف هو عدم استناد الناقل إلى الوجدان و الحسّ في نسبة الفتوى إلى جميع من ادّعى إجماعهم، و أمّا استناد نسبة الفتوى إلى جميع أرباب الكتب المصنَّفة في الفتاوى إلى الوجدان في كتبهم بعد التتبّع، فأمرٌ محتمل لا يمنعه عادةٌ و لا عقلٌ.

و ما تقدّم[10] من المحقّق السبزواري- من ابتناء دعوى الإجماع على ملاحظة الكتب الموجودة عنده[11] حال التأليف- فليس عليه شاهدٌ، بل الشاهد على خلافه[12] . و على تقديره[13] ، فهو ظنٌّ لا يقدح في العمل بظاهر النسبة؛ فإنّ نسبة الأمر الحسّيّ إلى شخصٍ ظاهرٌ[14] في إحساس الغير[15] إيّاه من ذلك الشخص.

و حينئذٍ[16] : فنقل الإجماع غالباً- إلّا ما شذّ- حجّةٌ بالنسبة إلى صدور الفتوى عن جميع المعروفين من أهل الفتاوى.

و لا يقدح في ذلك[17] : أنّا نجد الخلاف في كثيرٍ من موارد دعوى الإجماع؛ إذ[18] من المحتمل إرادة الناقل ما عدا المخالف[19] ، فتتبّع كتب مَن عداه و نسب الفتوى إليهم، بل لعلّه اطّلع[20] على رجوع مَن نجده مخالفاً، فلا حاجة إلى حمل كلامه على من عدا المخالف[21] .

و هذا المضمون[22] المخبر به عن حسٍّ و إن لم يكن[23] مستلزماً بنفسه عادةً لموافقة قول الإمام عليه السّلام، إلّا أنّه قد يستلزمه بانضمام أماراتٍ أُخر يحصِّلها المتتبِّع، أو بانضمام أقوال المتأخّرين دعوى الإجماع.

مثلاً: إذا ادّعى الشيخ قدّس سرّه الإجماع على اعتبار طهارة مسجَد الجبهة، فلا أقلّ[24] من احتمال أن يكون دعواه مستندةً إلى وجدان الحكم في الكتب المعدّة للفتوى- و إن كان[25] بإيراد الروايات التي يفتي المؤلّف بمضمونها- فيكون خبره[26] المتضمّن لإفتاء جميع أهل الفتوى بهذا الحكم حجّةً[27] في المسألة، فيكون كما لو وجدنا الفتاوى في كتبهم، بل سمعناها منهم، و فتواهم و إن لم تكن بنفسها مستلزمةً عادةً لموافقة الإمام عليه السّلام، إلّا أنّا إذا ضممنا إليها فتوى من تأخّر عن الشيخ من أهل الفتوى، و ضُمّ إلى ذلك أماراتٌ أُخر، فربما حصل من المجموع القطع بالحكم[28] ؛ لاستحالة تخلّف هذه جميعها عن قول الإمام عليه السّلام.

و بعض هذا المجموع[29] - و هو اتّفاق أهل الفتاوى المأثورة عنهم- و إن لم يثبت لنا بالوجدان، إلّا أنّ المخبر قد أخبر به[30] عن حسٍّ، فيكون حجّةً كالمحسوس لنا.

و كما أنّ مجموع[31] ما يستلزم عادةً لصدور الحكم عن الإمام عليه السّلام- إذا أخبر به العادل عن حسٍّ- قُبل منه و عمل بمقتضاه، فكذا إذا أخبر العادل ببعضه عن حسّ[32] .

و توضيحه بالمثال الخارجيّ أن نقول: إنّ خبر مائة عادلٍ أو ألف مخبرٍ[33] بشي‌ءٍ مع شدّة احتياطهم في مقام الإخبار، يستلزم عادةً ثبوت المخبَر به في الخارج، فإذا أخبرنا عادلٌ بأنّه قد أخبر ألفُ عادلٍ بموت زيدٍ و حضور دفنه، فيكون خبره بإخبار الجماعة بموت زيدٍ حجّةً، فيثبت به لازمه العاديّ و هو موت زيد، و كذلك إذا أخبر العادل بإخبار بعض هؤلاء، و حصّلنا إخبار الباقي بالسماع منهم.

نعم، لو كانت الفتاوى المنقولة إجمالاً بلفظ «الإجماع» على تقدير ثبوتها لنا بالوجدان، ممّا لا يكون بنفسها[34] أو بضميمة أماراتٍ أُخر مستلزمةً عادةً للقطع بقول الإمام عليه السّلام- و إن كانت قد تفيده[35] - لم يكن معنى لحجيّة خبر الواحد في نقلها تعبّداً؛ لأنّ معنى التعبّد بخبر الواحد في شي‌ءٍ ترتيب لوازمه الثابتة له و لو بضميمة اُمورٍ أُخر، فلو أخبر العادل بإخبار عشرين بموت زيد، و فرضنا أنّ إخبارهم قد يوجب العلم و قد لا يوجب، لم يكن خبره حجّةً بالنسبة إلى موت زيد؛ إذ لا يلزم من إخبار عشرين بموت زيد موتُه.

و بالجملة: فمعنى حجّيّة خبر العادل وجوب ترتيب ما يدلّ عليه المخبر به- مطابقةً[36] ، أو تضمّناً، أو التزاماً عقليّاً أو عاديّاً أو شرعيّاً- دون ما يقارنه أحياناً [37] .

ثمّ[38] إنّ ما ذكرنا لا يختصّ بنقل الإجماع، بل يجري في لفظ «الاتّفاق» و شبهه، و يجري في نقل الشهرة، و نقل الفتاوى عن‌ أربابها تفصيلاً.

جلسه 86 (ص 217)

ثمّ[39] إنّه لو لم يحصل من مجموع ما[40] ثبت بنقل العادل و ما حصّله المنقول إليه بالوجدان من الأمارات[41] و الأقوال، القطع[42] بصدور الحكم الواقعيّ عن الإمام عليه السّلام، لكن حصل منه القطع بوجود دليلٍ ظنّيٍّ معتبر بحيث لو نقل إلينا لاعتقدناه تامّاً من جهة الدلالة و فقد المعارض[43] ، كان[44] هذا المقدار- أيضاً[45] - كافياً في إثبات المسألة الفقهيّة، بل قد يكون نفس الفتاوى[46] - التي نقلها الناقل للإجماع إجمالاً- مستلزماً[47] لوجود دليلٍ معتبر، فيستقلّ الإجماع المنقول بالحجّية بعد إثبات حجيّة خبر العادل في المحسوسات[48] .

إلّا إذا منعنا[49] - كما تقدّم سابقاً- عن استلزام اتّفاق أرباب الفتاوى[50] عادةً لوجود دليل لو نقل إلينا لوجدناه تامّاً، و إن كان قد يحصل العلم بذلك[51] من ذلك[52] ، إلّا أنّ ذلك[53] شي‌ءٌ قد يتّفق، و لا[54] يوجب ثبوت الملازمة العاديّة التي هي المناط في الانتقال من المخبر به إليه.

أ لا ترى: أنّ إخبار عشرةٍ بشي‌ءٍ قد يوجب[55] العلم به، لكن لا ملازمة عاديّةً بينهما[56] ، بخلاف إخبار ألف عادلٍ محتاطٍ في الإخبار.

و بالجملة: يوجد في الخبر مرتبةٌ[57] تستلزم عادةً لتحقّق‌ المخبر به، لكن ما يوجب العلم أحياناً، قد لا يوجبه[58] ، و في الحقيقة ليس هو بنفسه الموجب في مقام حصول العلم؛ و إلّا[59] لم يتخلّف.[60]