و كيف كان: فإذا ادّعى الناقل الإجماع خصوصاً إذا كان ظاهره[1] اتّفاق جميع علماء الأعصار أو أكثرهم إلّا من شذّ- كما هو الغالب في إجماعات مثل الفاضلين و الشهيدين- انحصر محمله في وجوه[2] :

أحدها: أن يراد به اتّفاق المعروفين[3] بالفتوى‌، دون كل قابلٍ للفتوى من أهل عصره أو مطلقاً[4] . [5]

جلسه 79 (ص 202)

الثاني: أن يريد إجماع الكلّ[6] ‌، و يستفيد[7] ذلك[8] من اتّفاق المعروفين من أهل عصره.

و هذه الاستفادة[9] ليست ضروريّةً[10] و إن كانت قد تحصل[11] ؛ لأنّ[12] اتّفاق أهل عصره- فضلاً عن المعروفين منهم- لا يستلزم عادةً اتّفاق غيرهم و مَن قبلهم، خصوصاً بعد ملاحظة التخلّف[13] في كثيرٍ من الموارد لا يسع هذه الرسالة لذكر معشارها[14] . و لو فُرِضَ حصوله للمخبر كان من باب الحدس الحاصل عمّا لا يوجب العلم عادةً. نعم هي[15] أمارة ظنّية على ذلك[16] ؛ لأنّ[17] الغالب في الاتّفاقيّات عند أهل عصرٍ، كونه من الاتّفاقيّات‌ عند من تقدّمهم. و قد يحصل[18] العلم بضميمة أماراتٍ أُخر، لكنّ الكلام في كون الاتّفاق مستنداً إلى الحسّ أو إلى حدسٍ لازمٍ عادةً للحسّ[19] .

و اُلحق بذلك[20] : ما إذا علم[21] اتّفاق الكلّ من اتّفاق جماعةٍ لحسن ظنّه بهم، كما ذكره‌ في أوائل المعتبر، حيث قال: «و من المقلّدة من لو طالبته بدليل المسألة ادّعى الإجماع؛ لوجوده[22] في كتب الثلاثة قدّست أسرارهم، و هو جهلٌ إن لم يكن تجاهلاً».

فإنّ في توصيف المدّعي بكونه مقلّداً مع أنّا نعلم أنّه لا يدّعي الإجماع إلّا عن علمٍ، إشارةً إلى استناده في دعواه إلى حسن الظنّ بهم و أنّ جزمه في غير محلّه[23] ‌، فافهم[24] .

الثالث: أن يستفيد[25] اتّفاق الكلّ على الفتوى، من اتّفاقهم على العمل بالأصل عند عدم الدليل‌، أو بعموم دليلٍ عند عدم وجدان المخصّص، أو بخبرٍ معتبرٍ عند عدم وجدان المعارض، أو اتّفاقهم على مسألةٍ اُصوليّة- نقليّة أو عقليّة- يستلزم القول بها الحكمَ‌ في المسألة المفروضة، و غير ذلك من الاُمور المتّفق عليها التي يلزم باعتقاد المدّعي من القول بها- مع فرض عدم المعارض- القول بالحكم المعيّن في المسألة.

و من المعلوم: أنّ نسبة هذا الحكم إلى العلماء[26] في مثل ذلك‌[27] لم تنشأ[28] إلّا من مقدّمتين أثبتهما المدّعي باجتهاده:

إحداهما: كون ذلك الأمر المتّفق[29] عليه مقتضياً و دليلاً للحكم[30] لو لا المانع.

و الثانية: انتفاء المانع و المعارض. و من المعلوم أنّ الاستناد إلى الخبر[31] المستند إلى ذلك[32] غير جائزٍ[33] عند أحدٍ من العاملين بخبر الواحد.

جلسه 80 (ص 204)

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الإجماعات المتعارضة من شخص واحد[34] أو من معاصرين أو متقاربي العصر، و رجوع المدّعي عن الفتوى التي ادّعى الإجماع فيها، و دعوى الإجماع في مسائل غير معنونةٍ[35] في كلام من تقدّم على المدّعي، و في مسائل قد اشتهر خلافها بعد المدّعي بل في زمانه بل في ما قبله، كلّ ذلك مبنيٌّ على الاستناد في نسبة القول إلى العلماء على هذا الوجه[36] .

و لا بأس بذكر بعض موارد صرّح المدّعي بنفسه أو غيره في مقام توجيه كلامه[37] فيها بذلك[38] .

فمن ذلك: ما وجّه المحقّق به دعوى المرتضى‌ و المفيد- أنّ من مذهبنا جواز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات- قال[39] :

و أمّا قول السائل: كيف أضاف المفيد و السيّد ذلك إلى مذهبنا و لا نصَّ فيه[40] ؟ فالجواب: أمّا علم الهدى، فإنّه ذكر في الخلاف: أنّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا؛ لأنّ من أصلنا[41] العمل بالأصل[42] ما لم يثبت الناقل، و ليس في الشرع ما يمنع الإزالة بغير الماء من المائعات[43] ، ثمّ قال: و أمّا المفيد، فإنّه ادّعى في مسائل الخلاف: أنّ ذلك[44] مرويٌّ عن الأئمّة[45] عليهم السّلام‌، انتهى.

فظهر من ذلك[46] : أنّ نسبة السيّد قدّس سرّه الحكم المذكور إلى مذهبنا، من جهة الأصل[47] .

و من ذلك[48] : ما عن الشيخ في الخلاف، حيث إنّه ذكر فيما إذا بان فسق الشاهدين بما يوجب القتل[49] ، بعد القتل: بأنّه‌ يسقط القود[50] و تكون الدية من بيت المال. قال:

دليلنا إجماع الفرقة؛ فإنّهم رووا: أنّ ما أخطأت القضاةُ ففي بيت مال المسلمين‌، انتهى.

فعلّل انعقاد الإجماع بوجود الرواية عند الأصحاب[51] .

و قال بعد ذلك[52] ، فيما إذا تعدّدت الشهود في من أعتقه المريض[53] و عيّن كلٌّ غير ما عيّنه الآخر و لم يَفِ الثُّلثُ بالجميع: إنّه يخرج السابق‌ بالقرعة، قال: دليلُنا إجماعُ الفرقة و أخبارُهم؛ فإنّهم[54] أجمعوا على أنّ كلّ أمرٍ مجهولٍ فيه القرعة، انتهى.