و عرفت أنّ الحدس قد يستند إلى مبادئ محسوسةٍ ملزومةٍ عادةً لمطابقة قول الإمام عليه السّلام، نظير العلم الحاصل من الحواسّ الظاهرة، و نظير الحدس الحاصل لمن أخبر بالعدالة و الشجاعة لمشاهدته آثارهما المحسوسة الموجبة[1] للانتقال إليهما بحكم العادة، أو إلى مبادئ محسوسةٍ موجبةٍ لعلم المدّعي بمطابقة قول الإمام عليه السّلام من دون ملازمةٍ عاديّة، و قد يستند إلى اجتهاداتٍ و أنظار.

و حيث لا دليل على قبول خبر العادل المستند إلى القسم الأخير من الحدس، بل و لا المستند إلى الوجه الثاني[2] ، و لم يكن هناك ما يعلم به كون الإخبار مستنداً إلى القسم الأوّل[3] من الحدس؛ وجب التوقّف في العمل بنقل الإجماع، كسائر الأخبار المعلوم استنادها إلى الحدس المردّد بين الوجوه المذكورة.

جلسه 77 (ص 199)

فإن قلت[4] : ظاهر لفظ «الإجماع[5] » اتّفاق الكلّ، فإذا أخبر الشخص بالإجماع فقد أخبر باتّفاق الكلّ، و من المعلوم أنّ حصول العلم بالحكم[6] من اتّفاق الكلّ كالضروريّ؛ فحدس المخبر مستندٌ إلى مبادٍ محسوسةٍ ملزومةٍ لمطابقة قول الإمام عليه السّلام عادةً؛ فإمّا أن يجعل الحجّة نفس ما[7] استفاده من الاتّفاق نظير الإخبار بالعدالة، و إمّا أن يجعل الحجّة إخباره[8] بنفس الاتّفاق المستلزم عادةً لقول الإمام عليه السّلام، و يكون نفس المخبر به[9] حينئذٍ محسوساً، نظير إخبار الشخص باُمورٍ تستلزم العدالة أو الشجاعة عادةً.

و قد أشار إلى الوجهين[10] بعض السادة الأجلّة في شرحه على الوافية؛ فإنّه قدّس سرّه لمّا اعترض على نفسه: بأنّ المعتبر من الأخبار ما استند إلى إحدى الحواسّ، و المخبِر بالإجماع إنّما رجع إلى بذل الجهد[11] ، و مجرّد الشكّ في دخول مثل ذلك[12] في الخبر[13] يقتضي[14] منعه، أجاب عن ذلك:

بأنّ المخبر هنا[15] - أيضاً[16] - يرجع إلى السمع[17] فيما يخبر عن العلماء و إن جاء العلم بمقالة المعصوم من مراعاة أمرٍ آخر، كوجوب اللطف و غيره[18] .

ثمّ أورد: بأنّ المدار في حجّية الإجماع على مقالة المعصوم عليه السّلام، فالإخبار إنّما هو بها[19] ، و[20] لا يرجع إلى سمع.

فأجاب[21] عن ذلك[22] :

أوّلاً[23] : بأنّ مدار الحجّية و إن كان ذلك[24] ، لكن استلزام اتّفاق كلمة العلماء لمقالة المعصوم عليه السّلام معلومٌ لكلّ أحد لا يحتاج فيه إلى النقل، و إنّما الغرض من النقل ثبوت الاتّفاق[25] ، فبعد اعتبار خبر الناقل- لوثاقته و رجوعه في حكاية الاتّفاق إلى الحسّ- كان الاتّفاق معلوماً، و متى ثبت ذلك، كشف عن مقالة المعصوم؛ للملازمة المعلومة[26] .

و ثانياً [27] : أنّ الرجوع في حكاية الإجماع إلى نقل مقالة المعصوم عليه السّلام لرجوع الناقل في ذلك إلى الحسّ؛ باعتبار أنّ الاتّفاق من آثارها[28] ، و لا كلام في اعتبار مثل ذلك، كما في الإخبار بالإيمان و الفسق‌ و الشجاعة و الكرم و غيرها من الملكات، و إنّما لا يرجع إلى الأخبار في العقليّات المحضة، فإنّه[29] لا يعوّل[30] عليها[31] و إن جاء بها ألفٌ من الثقات حتّى يدرك مثل ما أدركوا.

ثمّ[32] اورد على ذلك[33] : بأنّه يلزم من ذلك الرجوعُ إلى المجتهد[34] ؛ لأنّه و إن لم يرجع إلى الحسّ في نفس الأحكام[35] إلّا أنّه رجع في لوازمها و آثارها إليه، و هي أدلّتها السمعيّة، فيكون[36] روايةً، فلِمَ لا يقبل إذا جاء به الثقة.

و أجاب: بأنّه إنّما يكفي الرجوع إلى الحسّ في الآثار إذا كانت الآثار مستلزمةً له عادةً[37] ، و بالجملة إذا أفادت اليقين، كما في آثار الملكات و آثار مقالة الرئيس و هي مقالة رعيّته، و هذا بخلاف ما يستنهضه المجتهد من الدليل على الحكم[38] .

ثمّ قال: على أنّ التحقيق في الجواب عن السؤال الأوّل[39] هو الوجه الأوّل[40] ، و عليه فلا أثر لهذا السؤال[41] ‌، انتهى.

جلسه 78(ص 201)

قلت: إنّ الظاهر من الإجماع اتّفاق أهل عصرٍ واحد، لا جميع الأعصار[42] كما يظهر[43] من تعاريفهم[44] و سائر كلماتهم[45] ، و من المعلوم أنّ إجماع أهل عصرٍ واحد- مع قطع النظر عن موافقة أهالي الأعصار المتقدّمة و مخالفتهم- لا يوجب[46] عن طريق الحدس العلمَ الضروريّ[47] بصدور الحكم عن الإمام عليه السّلام؛ و لذا قد يتخلّف[48] ؛ لاحتمال مخالفة من تقدّم عليهم أو أكثرهم. نعم يفيد[49] العلم[50] من باب وجوب اللطف الذي لا نقول بجريانه في المقام، كما قرّر في محلّه‌.

مع أنّ علماء العصر إذا كثروا- كما في الأعصار السابقة- يتعذّر أو يتعسّر الاطّلاع عليهم حسّاً بحيث[51] يقطع بعدم من سواهم في العصر، إلّا إذا كان العلماء في عصرٍ قليلين يمكن الإحاطة برأيهم في المسألة[52] فيدّعى الإجماع، إلّا أنّ مثل هذا الأمر المحسوس لا يستلزم عادةً لموافقة المعصوم عليه السّلام.

فالمحسوس[53] المستلزم عادةً لقول الإمام عليه السّلام مستحيلُ التحقّق للناقل، و الممكن المتحقّق[54] له غير مستلزم عادةً.