ثمّ[1] إنّه لمّا كان وجه حجّية الإجماع عند الإماميّة اشتماله على قول الإمام عليه السّلام، كانت الحجّية دائرة مدار وجوده عليه السّلام في كلّ جماعةٍ هو أحدهم؛ و لذا قال السيّد المرتضى:

إذا كان علّة كون الإجماع حجّةً كون الإمام فيهم، فكلّ جماعةٍ- كثرت أو قلّت- كان قول الإمام في أقوالها، فإجماعها حجّة، و أنّ خلاف الواحد و الاثنين إذا كان الإمام أحدهما- قطعاً أو تجويزاً [2] - يقتضي عدم الاعتداد بقول الباقين و إن كثروا، و أنّ الإجماع بعد الخلاف‌[3] كالمبتدإ[4] ، في الحجّية[5] ، انتهى.

و قال المحقّق في المعتبر- بعد إناطة حجّية الإجماع بدخول قول الإمام عليه السّلام-: إنّه لو خلا المائة من فقهائنا من قوله، لم يكن قولهم حجّة، و لو حصل[6] في اثنين كان قولهما حجّة[7] ، انتهى.

و قال العلّامة رحمه اللّه- بعد قوله: إنّ الإجماع عندنا حجّةٌ لاشتماله على قول المعصوم-: و كلّ جماعةٍ قلّت أو كثرت كان قول الإمام عليه السّلام في جملة أقوالها فإجماعها حجّةٌ لأجله، لا لأجل الإجماع[8] ‌، انتهى.

جلسه 72 (ص 186)

هذا[9] ، و لكن لا يلزم من كونه[10] حجّةً تسميته[11] إجماعاً في الاصطلاح[12] ، كما أنّه ليس كلّ خبر جماعةٍ يفيد العلم متواتراً[13] في الاصطلاح.

و[14] أمّا ما اشتهر بينهم: من أنّه لا يقدح خروج معلوم النسب واحداً أو أكثر، فالمراد أنّه لا يقدح في حجّية اتّفاق الباقي، لا في تسميته[15] إجماعاً، كما علم[16] من فرض المحقّق قدّس سرّه الإمام عليه السّلام في اثنين.

نعم، ظاهر كلمات جماعةٍ يوهم تسميته إجماعاً؛ حيث تراهم يدّعون الإجماع في مسألةٍ ثمّ يعتذرون عن وجود المخالف بأنّه[17] معلوم النسب.

لكنّ التأمّل الصادق يشهد بأنّ الغرض الاعتذار عن قدح المخالف في الحجّية، لا في التسمية[18] .

نعم[19] ، يمكن أن يقال: إنّهم قد تسامحوا في إطلاق الإجماع على اتّفاق الجماعة التي علم دخول الإمام عليه السّلام فيها؛ لوجود[20] مناط الحجّية فيه، و كون وجود المخالف غير مؤثّرٍ شيئاً [21] . و قد شاع هذا التسامح بحيث كاد أن‌ ينقلب اصطلاح الخاصّة[22] عمّا وافق اصطلاح العامّة[23] ، إلى ما [24] يعمّ اتّفاق طائفةٍ[25] من الإماميّة، كما يُعرف من أدنى تتبّعٍ لموارد الاستدلال[26] .

بل إطلاق لفظ «الإجماع» بقولٍ مطلق[27] على إجماع الإماميّة فقط- مع أنّهم بعض الاُمّة لا كلّهم- ليس إلّا لأجل المسامحة؛ من جهة أنّ وجود المخالف كعدمه[28] من حيث مناط الحجّية.

و على أيّ تقدير[29] : فظاهر إطلاقهم إرادة دخول قول الإمام عليه السّلام في أقوال المجمعين بحيث يكون دلالته[30] عليه[31] بالتضمّن، فيكون الإخبار عن الإجماع إخباراً عن قول الإمام عليه السّلام، و هذا[32] هو الذي يدلّ عليه كلام المفيد و المرتضى‌ و ابن زهرة و المحقّق و العلّامة و الشهيدين‌ و من تأخّر عنهم‌.