فالإنصاف: أنّ الرجوع إلى أهل اللغة مع عدم اجتماع شروط الشهادة[1] :

إمّا في مقاماتٍ يحصل العلم[2] بالمستعمل فيه من مجرّد ذكر لغويٍّ واحدٍ أو أزيد له على وجهٍ يعلم كونه[3] من المسلّمات عند أهل اللغة، كما قد يحصل العلم بالمسألة الفقهيّة من إرسال جماعةٍ لها[4] إرسال المسلّمات.

و إمّا في مقاماتٍ يُتسامح فيها؛ لعدم التكليف الشرعيّ بتحصيل العلم بالمعنى اللغويّ، كما إذا اُريد تفسير خطبةٍ أو روايةٍ لا تتعلّق[5] بتكليفٍ شرعيّ.

و إمّا في مقامٍ انسدّ[6] فيه طريق العلم و لا بدّ من العمل، فيعمل بالظنّ بالحكم الشرعيّ المستند بقول أهل اللغة.

و لا يتوهّم[7] : أنّ طرح قول اللغويّ الغير المفيد للعلم في ألفاظ الكتاب و السنّة مستلزمٌ[8] لانسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام.

لاندفاع[9] ذلك[10] : بأنّ أكثر موادّ اللغات إلّا ما شذّ و ندر- كلفظ «الصعيد» و نحوه‌- معلومٌ من العرف و اللغة، كما لا يخفى. و المتّبع في الهيئات[11] هي القواعد العربيّة المستفادة من الاستقراء القطعيّ و اتّفاق أهل‌ العربية[12] ، أو التبادر بضميمة أصالة عدم القرينة، فإنّه[13] قد يثبت به الوضع الأصليّ[14] الموجود في الحقائق، كما في صيغة «افعل» أو الجملة الشرطيّة أو الوصفيّة؛ و من هنا[15] يتمسّكون‌- في إثبات مفهوم الوصف- بفهم أبي عبيدة في حديث: «لَیُّ الواجِد»، و نحوُه غيرُه من موارد الاستشهاد[16] بفهم أهل اللسان‌. و قد يثبت به[17] الوضع بالمعنى الأعمّ[18] الثابت في المجازات المكتنفة بالقرائن المقاميّة، كما يدّعى أنّ الأمر عقيب الحظر بنفسه- مجرّداً عن القرينة- يتبادر منه مجرّد رفع الحظر دون الإيجاب و الإلزام. و احتمالُ كونه لأجل قرينة خاصّة، يُدفع بالأصل، فيثبت به[19] كونه[20] لأجل القرينة العامّة، و هى الوقوع في مقام رفع الحظر؛ فيثبت بذلك[21] ظهورٌ ثانويٌّ لصيغة «افعَل» بواسطة القرينة الكلّية.[22]

و بالجملة: فالحاجة إلى قول اللغويّ الذي لا يحصل العلم بقوله- لقلّة مواردها- لا تصلح سبباً للحكم باعتباره[23] لأجل الحاجة.

نعم، سيجي‌ء[24] : أنّ كلّ من عمل بالظنّ في مطلق الأحكام الشرعيّة الفرعيّة يلزمه العمل بالظنّ بالحكم الناشئ من الظنّ بقول اللغويّ، لكنّه لا يحتاج[25] إلى دعوى انسداد باب العلم في اللغات، بل‌ العبرة عنده[26] بانسداد باب العلم في معظم الأحكام؛ فإنّه[27] يوجب الرجوع إلى الظنّ بالحكم الحاصل من الظنّ باللغة و إن فرض[28] انفتاح باب العلم فيما عدا هذا المورد من اللغات، و سيتّضح هذا زيادةً على هذا إن شاء اللّه تعالى.

هذا[29] ، و لكنّ الإنصاف: أنّ مورد الحاجة إلى قول اللغويّين أكثر من أن يحصى في تفاصيل المعاني بحيث يُفهم دخولُ الأفراد المشكوكة أو خروجُها، و إن كان المعنى في الجملة معلوماً من دون مراجعة قول اللغويّ، كما في مثل ألفاظ «الوطن»[30] ، و «المفازة»[31] ، و «التمر»[32] ، و «الفاكهة»[33] ، و «الكنز»[34] ، و «المعدن»[35] ، و «الغوص»[36] ، و غير ذلك من متعلّقات الأحكام ممّا لا يحصى، و إن لم تكن الكثرة بحيث يوجب التوقّفُ فيها محذوراً[37] ، و لعلّ هذا المقدار[38] مع الاتّفاقات[39] المستفيضة[40] كافٍ في المطلب[41] ، فتأمّل[42] .[43]