ثمّ إنّك قد عرفت[1] : أنّ مناط الحجّية و الاعتبار في دلالة الألفاظ هو الظهور[2] العرفيّ، و هو كون الكلام بحيث يحمل عرفاً على ذلك المعنى و لو بواسطة القرائن المقاميّة المكتنفة بالكلام، فلا فرق بين إفادته الظنّ بالمراد و عدمها، و لا بين وجود الظنّ الغير المعتبر[3] على خلافه و عدمه؛ لأنّ ما ذكرنا من الحجّة[4] على العمل بها جارٍ[5] في جميع الصور المذكورة.

جلسه 66 (ص 169)

و ما ربما يظهر من العلماء[6] : من التوقّف في العمل بالخبر الصحيح المخالف لفتوى المشهور أو طرحه، مع اعترافهم بعدم حجّية الشهرة، فليس من جهة مزاحمة الشهرة لدلالة[7] الخبر الصحيح من عمومٍ أو إطلاق، بل من جهة مزاحمتها[8] للخبر من حيث الصدور؛ بناءً على أنّ ما[9] دلّ من الدليل على حجّية الخبر من حيث السند لا يشمل المخالف للمشهور؛ و لذا لا يتأمّلون[10] في العمل بظواهر الكتاب و السنّة المتواترة إذا عارضها الشهرة.

فالتأمّل في الخبر المخالف للمشهور إنّما هو إذا خالفت الشهرةُ نفسَ الخبر، لا عمومه أو إطلاقه، فلا يتأمّلون[11] في عمومه إذا كانت الشهرة على التخصيص.

نعم، ربما يجري على لسان بعض متأخّري المتأخّرين[12] من المعاصرين‌، عدمُ الدليل على حجّية الظواهر إذا لم تفد الظنّ، أو إذا حصل الظنّ الغير المعتبر على خلافها.

لكنّ الإنصاف: أنّه مخالفٌ لطريقة أرباب اللسان و العلماء في كلّ زمان؛ و لذا عدّ بعض الأخباريّين‌- كالاُصوليّين- استصحاب حكم العامّ و المطلق[13] حتّى يثبت المخصّص و المقيّد، من الاستصحابات المجمع عليها، و هذا و إن لم يرجع إلى الاستصحاب المصطلح[14] إلّا بالتوجيه[15] ، إلّا أنّ الغرض من الاستشهاد به[16] بيان كون هذه القاعدة[17] إجماعيّة.