[1] ثمّ إنّك قد عرفت‌: أنّ العمدة في منع الأخباريّين من العمل بظواهر الكتاب هي الأخبار المانعة عن تفسير القرآن، إلّا أنّه يظهر من‌ كلام السيّد الصدر- شارح الوافية- في آخر كلامه: أنّ المنع عن العمل بظواهر الكتاب هو مقتضى الأصل، و العمل بظواهر الأخبار خرج بالدليل؛ حيث[2] قال- بعد إثبات أنّ في القرآن محكمات و ظواهر، و أنّه ممّا لا يصحّ إنكاره، و ينبغي[3] النزاع في جواز العمل بالظواهر[4] ، و أنّ[5] الحقّ مع الأخباريّين- ما خلاصته:

أنّ التوضيح يظهر بعد مقدّمتين:

الاُولى[6] : أنّ بقاء التكليف ممّا لا شكّ فيه، و لزوم العمل بمقتضاه موقوفٌ على الإفهام[7] ، و هو يكون في الأكثر بالقول، و دلالته[8] في الأكثر تكون ظنّيّة[9] ؛ إذ مدار الإفهام على إلقاء الحقائق مجرّدةً عن القرينة[10] و على ما يفهمون، و إن كان احتمال[11] التجوّز و خفاء القرينة باقياً.

الثانية[12] : أنّ المتشابه كما يكون في أصل اللغة[13] كذلك يكون بحسب الاصطلاح[14] ، مثل أن يقول أحدٌ: أنا استعمل العمومات، و كثيراً ما اُريد الخصوص من غير قرينة، و ربما اُخاطب أحداً و اُريد غيره، و نحو ذلك، فحينئذٍ[15] لا يجوز لنا القطع بمراده، و لا يحصل لنا الظنّ به، و القرآن من هذا القبيل؛ لأنّه نزل على اصطلاحٍ خاصّ[16] ، لا أقول على وضعٍ جديد[17] ، بل أعمّ من أن يكون ذلك[18] أو يكون فيه[19] مجازات لا يعرفها العرب، و مع ذلك قد وجدت فيه كلماتٌ لا يعلم المراد منها كالمقطَّعات. [20]

ثمّ قال‌:

قال سبحانه: «مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ... الآية»آل عمران/7، ذمّ على اتّباع المتشابه، و لم يبيّن لهم المتشابهات‌ ما هي؟ و كم هي؟ بل لم يبيّن لهم المراد من هذا اللفظ[21] ، و جعل البيان موكولاً إلى خلفائه، و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى الناس عن التفسير بالآراء، و جعلوا الأصل عدم العمل بالظنّ إلّا ما أخرجه الدليل.

إذا تمهّدت‌ المقدّمتان، فنقول: مقتضى الاُولى العمل بالظواهر[22] ، و مقتضى الثانية عدم العمل؛ لأنّ ما صار متشابهاً لا يحصل الظنّ بالمراد منه، و ما بقى ظهوره مندرجٌ في الأصل المذكور[23] ، فنطالب بدليل جواز العمل؛ لأنّ الأصل الثابت عند الخاصّة هو عدم جواز العمل بالظنّ إلّا ما أخرجه الدليل.

لا يقال: إنّ الظاهر من المحكم، و وجوب العمل بالمحكم إجماعيّ.

لأنّا نمنع الصغرى، إذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنصّ، و أمّا شموله للظاهر فلا.

إلى أن قال:

لا يقال: إنّ ما ذكرتم- لو تمّ[24] - لدلّ على عدم جواز العمل بظواهر الأخبار أيضاً؛ لما فيها من الناسخ و المنسوخ، و المحكم و المتشابه، و العامّ‌ المخصَّص، و المطلق‌ المقيَّد.

لأنّا نقول: إنّا لو خُلِّينا و أنفسَنا، لعملنا[25] بظواهر الكتاب و السنّة مع عدم نصب القرينة على خلافها، و لكن مُنِعنا من ذلك[26] في القرآن؛ للمنع من اتّباع المتشابه و عدم بيان حقيقته[27] ، و مَنَعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تفسير القرآن، و لا ريب في أنّ غير النصّ محتاجٌ إلى التفسير[28] .

و أيضاً [29] : ذمّ اللّه تعالى على اتّباع الظنّ و كذا الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أوصياؤه عليهم السّلام، و لم يستثنوا ظواهر القرآن.

إلى أن قال:

و أمّا الأخبار[30] ، فقد سبق أنّ أصحاب الأئمّة عليهم السّلام كانوا عاملين[31] بأخبار الآحاد من غير فحصٍ عن مخصِّصٍ أو معارضٍ ناسخٍ أو مقيِّدٍ، و لولا[32] هذا لَكُنّا في العمل بظواهر الأخبار أيضاً[33] من المتوقّفين‌، انتهى.