الثاني من وجهي المنع[1] :

أنّا نعلم[2] بطروّ التقييد و التخصيص و التجوّز في أكثر ظواهر الكتاب، و ذلك ممّا يُسقطُها[3] عن الظهور.

و فيه:

أوّلاً: النقض بظواهر السنّة؛ فإنّا نقطع بطروّ مخالفة الظاهر في أكثرها[4] .

و ثانياً: أنّ هذا لا يوجب السقوط، و إنّما يوجب الفحص عمّا يوجب مخالفة الظاهر.[5]

فإن قلت[6] : العلم الإجماليّ بوجود مخالفات الظواهر لا يرتفع أثره- و هو وجوب التوقّف- بالفحص؛ و لذا لو تردّد اللفظ بين معنيين[7] ، أو عُلم إجمالاً بمخالفة أحد الظاهرين لظاهره‌- كما في العامّين[8] من وجه و شبههما[9] - وجب التوقّف فيه و لو بعد الفحص.

قلت: هذه شبهةٌ ربما تورِد على من استدلّ على وجوب الفحص‌ عن المخصِّص في العمومات بثبوت العلم الإجماليّ بوجود المخصِّصات؛ فإنّ العلم الإجماليّ إمّا أن يبقى أثره و لو بعد العلم التفصيليّ بوجود عدّة مخصّصات، و إمّا أن لا يبقى، فإن بقي فلا يرتفع بالفحص، و إلّا فلا مقتضي للفحص[10] .

و تندفع[11] هذه الشبهة: بأنّ المعلوم إجمالاً هو وجود مخالفاتٍ كثيرة في الواقع فيما بأيدينا بحيث تظهر تفصيلاً بعد الفحص، و أمّا وجود مخالفاتٍ في الواقع زائداً على ذلك فغير معلوم[12] ، فحينئذٍ لا يجوز العمل قبل الفحص؛ لاحتمال وجود مخصِّص يظهر بالفحص‌، و لا يمكن‌[13] نفيه بالأصل؛ لأجل العلم الإجماليّ، و أمّا بعد الفحص فاحتمال وجود المخصّص في الواقع ينفى بالأصل السالم[14] عن العلم الإجماليّ.

و الحاصل: أنّ المنصف لا يجد فرقاً بين ظواهر الكتاب و السنّة، لا قبل الفحص و لا بعده[15] .