و أمّا قولك[1] ‌: إنّ مرجع تدارك مفسدة مخالفة الحكم الواقعي بالمصلحة الثابتة في العمل على طبق مؤدّى الأمارة إلى التصويب الباطل؛ نظراً إلى خلوّ الحكم الواقعي حينئذٍ عن المصلحة الملزمة التي تكون في فوتها المفسدة، ففيه[2] :

منعُ كون هذا تصويباً؛ كيف[3] و المصوّبة يمنعون حكم اللّه في الواقع، فلا يعقل عندهم إيجابُ العمل بما جعل طريقاً إليه[4] و التعبّد بترتيب آثاره في الظاهر[5] ، بل التحقيق عدّ مثل هذا، من وجوه الردّ على المصوّبة.

جلسه 45 (ص 121)

و أمّا ما ذكر: من أنّ الحكم الواقعي[6] إذا كان مفسدة مخالفته متداركة بمصلحة العمل‌ على طبق الأمارة، فلو بقي[7] في الواقع كان حكماً بلا صفة[8] ، و إلّا[9] ثبت انتفاء الحكم في الواقع[10] ، و بعبارةٍ اُخرى: إذا فرضنا الشي‌ء في الواقع واجباً و قامت أمارة على تحريمه[11] ، فإن لم يحرم ذلك الفعل[12] ، لم يجب[13] العمل بالأمارة، و إن حَرُم، فإن بقي الوجوب[14] لزم اجتماع الحكمين المتضادّين، و إن انتفى[15] ثبت انتفاء الحكم الواقعيّ[16] ، ففيه[17] :

أنّ المراد بالحكم الواقعيّ[18] الذي يلزم بقاؤه، هو الحكم المتعيّنُ‌ المتعلّقُ بالعباد[19] الذي يحكي عنه الأمارة و يتعلّق به العلمُ أو الظنّ و اُمَرَ السفراء بتبليغه، و إن لم يلزم امتثاله فعلاً في حقّ من قامت عنده أمارةٌ على خلافه، إلّا أنّه يكفي في كونه حكمه‌ الواقعي: أنّه لا يعذر فيه إذا كان عالماً به أو جاهلاً مقصّراً، و الرخصة في تركه عقلاً كما في الجاهل القاصر، أو شرعاً كمن قامت عنده أمارةٌ معتبرة على خلافه.

و ممّا ذكرنا[20] يظهر حال الأمارة على الموضوعات الخارجيّة؛ فإنّها من هذا القسم الثالث[21] .

و الحاصل: أنّ المراد بالحكم الواقعي[22] ، هي‌: مدلولات الخطابات الواقعيّة الغير المقيّدة[23] بعلم المكلّفين و لا بعدم قيام الأمارة على خلافها، و لها[24] آثارٌ عقليّة[25] و شرعيّة[26] تترتّب عليها عند العلم بها أو قيام أمارةٍ حَكَمَ[27] الشارع بوجوب البناء على كون مؤدّاها هو الواقع، نعم هذه ليست أحكاماً فعليّة بمجرّد[28] وجودها الواقعي.

و تلخّص[29] من جميع ما ذكرنا: أنّ ما ذكره ابنُ قبة- من استحالة التعبّد بخبر الواحد أو بمطلق[30] الأمارة الغير العلميّة- ممنوع على إطلاقه، و إنّما يقبح[31] إذا ورد التعبّد على بعض الوجوه[32] ، كما تقدّم تفصيل ذلك.