[1] ثمّ إن استمرّ[2] هذا الحكم الظاهريّ- أعني[3] الترخيص في ترك الظهر إلى آخر وقتها- وجب كون الحكم الظاهريّ بكون[4] ما فعله في أوّل الوقت هو الواقع- المستلزم[5] لفوت الواقع على المكلّف‌- مشتملاً على مصلحةٍ[6] يتدارك بها ما فات لأجله[7] من مصلحة الظهر؛ لئلّا يلزم تفويت الواجب الواقعي على المكلّف مع التمكّن من إتيانه[8] بتحصيل العلم به.

و إن لم يستمرّ[9] ، بل علم بوجوب الظهر في المستقبل[10] ، بطل وجوب العمل على طبق وجوب صلاة الجمعة واقعاً، و وجب العمل على طبق عدم وجوبه في نفس الأمر من أوّل الأمر؛ لأنّ المفروض[11] عدم حدوث الوجوب النفس الأمري[12] ، و إنّما عمل على طبقه[13] ما دامت أمارة الوجوب قائمة، فإذا فقدت[14] بانكشاف وجوب الظهر و عدم وجوب الجمعة، وجب حينئذٍ ترتيب ما هو كبرى لهذا المعلوم- أعني وجوب الإتيان بالظهر- و نقض آثار وجوب صلاة الجمعة إلّا ما فات منها[15] ؛ فقد تقدّم أنّ مفسدة فواته[16] متداركةٌ بالحكم الظاهريّ المتحقّق في زمان الفوت.

فلو فرضنا[17] العلم بعد خروج وقت الظهر، فقد تقدّم أنّ حكم الشارع بالعمل بمؤدّى الأمارة- اللازم[18] منه ترخيص ترك الظهر في الجزء الأخير[19] - لا بدّ أن يكون لمصلحةٍ يتدارك[20] بها مفسدة ترك الظهر.

ثمّ إن قلنا[21] : إنّ القضاء فرع صدق الفوت المتوقّف على فوات الواجب من حيث إنّ فيه مصلحة، لم يجب فيما نحن فيه؛ لأنّ الواجب و إن ترك إلّا أنّ مصلحته متداركة، فلا يصدق على هذا الترك، الفوت.

و إن قلنا[22] : إنّه[23] متفرّع على مجرّد ترك الواجب، وجب هنا؛ لفرض العلم بترك صلاة الظهر مع وجوبها عليه[24] واقعاً.

إلّا أن يقال: إنّ غاية ما يلزم في المقام، هي المصلحة في معذوريّة هذا الجاهل مع تمكّنه من العلم و لو كانت[25] لتسهيل الأمر على المكلّفين، و لا ينافي ذلك صدق الفوت[26] ، فافهم.

ثمّ إنّ هذا كلّه على ما اخترناه[27] من عدم اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء، واضحٌ[28] .

و أمّا على القول باقتضائه[29] له، فقد يشكل‌[30] الفرق بينه[31] و بين القول بالتصويب، و ظاهر شيخنا في تمهيد القواعد استلزام القول بالتخطئة[32] لعدم الإجزاء، قال قدّس سرّه‌: من فروع مسألة التصويب و التخطئة، لزوم الإعادة للصلاة بظنّ القبلة[33] و عدمه‌. و إن كان تمثيله لذلك[34] بالموضوعات محلّ نظر[35] .

جلسه 44(ص 120)

فعلم من ذلك[36] : أنّ ما ذَكره[37] مِن[38] وجوب كون فعل الجمعة مشتملاً على مصلحةٍ[39] تتداركُ مفسدةَ تركِ الواجب[40] و معه[41] يسقط[42] عن الوجوب، ممنوعٌ؛ لأنّ[43] فعل الجمعة قد لا يستلزم[44] إلّا ترك الظهر في بعض أجزاء وقته.

فالعمل على الأمارة[45] معناه[46] : الإذن في الدخول[47] فيها[48] على قصد الوجوب، و الدخول[49] في التطوّع[50] بعد فعلها[51] .

نعم[52] ، يجب في الحكم بجواز فعل النافلة اشتماله على مصلحةٍ تتداركُ مفسدة فعل التطوّع في وقت الفريضة لو شَمِلَ دليله[53] الفريضة الواقعيّة المأذون في تركها ظاهراً؛ و إلّا[54] كان جواز التطوّع في تلك الحال[55] حكماً واقعيّاً[56] لا ظاهريّاً.

و أمّا قولك[57] : إنّه مع تدارك المفسدة[58] بمصلحة الحكم الظاهري يسقط الوجوب، فممنوعٌ أيضاً؛ إذ قد يترتّب على وجوبه واقعاً حكمٌ شرعيّ و إن تدارك مفسدة تركه مصلحة فعل آخر، كوجوب‌ قضائه[59] إذا علم بعد خروج الوقت بوجوبه واقعاً.

و بالجملة: فحال الأمر[60] بالعمل بالأمارة القائمة على حكمٍ شرعيٍّ حالُ الأمر بالعمل بالأمارة القائمة على الموضوع الخارجي، كحياة زيدٍ و موت عمرو، فكما أنّ الأمر بالعمل‌ في الموضوعات لا يوجب جعل‌ نفس الموضوع[61] ، و إنّما يوجب[62] جعل أحكامه[63] ، فيترتّب عليه[64] الحكم ما دامت الأمارة قائمة عليه، فإذا فقدت الأمارة و حصل العلم بعدم ذلك الموضوع، ترتّب عليه[65] في المستقبل جميع أحكام عدم ذلك الموضوع من أوّل الأمر، فكذلك حال الأمر بالعمل على الأمارة القائمة على الحكم[66] .

و حاصل الكلام[67] : ثبوت الفرق الواضح بين جعل مدلول الأمارة حكماً واقعيّاً و[68] الحكم بتحقّقه[69] واقعاً[70] عند قيام الأمارة، و بين الحكم واقعاً [71] بتطبيق العمل على الحكم الواقعي[72] المدلول عليه بالأمارة، كالحكم واقعاً بتطبيق العمل على طبق الموضوع الخارجي الذي قامت عليه الأمارة.