[1] فإن قلت: ما الفرق بين هذا الوجه الذي مرجعه إلى المصلحة في‌ العمل بالأمارة و ترتيب أحكام الواقع على مؤدّاها، و بين الوجه السابق الراجع إلى كون قيام الأمارة سبباً[2] لجعل مؤدّاها على المكلّف؟

مثلاً: إذا فرضنا قيام الأمارة على وجوب صلاة الجمعة مع كون الواجب في الواقع هي الظهر، فإن كان في فعل الجمعة مصلحةٌ[3] يتدارك بها[4] ما يفوت بترك صلاة الظهر، فصلاةُ الظهر في حقّ هذا الشخص خاليةٌ[5] عن المصلحة الملزمة، فلا صفة تقتضي وجوبها الواقعي، فهنا وجوبٌ واحدٌ- واقعاً و ظاهراً- متعلّقٌ بصلاة الجمعة[6] . و إن لم تكن في فعل الجمعة صفة[7] ، كان الأمر بالعمل بتلك الأمارة قبيحاً؛ لكونه[8] مفوّتاً للواجب مع التمكّن من إدراكه[9] بالعلم.

فالوجهان[10] مشتركان في اختصاص الحكم الواقعيّ بغير من قام عنده الأمارة على وجوب صلاة الجمعة، فيرجع الوجه الثالث إلى الوجه الثاني، و هو كون الأمارة سبباً لجعل مؤدّاها هو الحكم الواقعي لا غير و انحصارِ الحكم في المثال بوجوب‌ صلاة الجمعة، و هو التصويب الباطل[11] .

جلسه 43(ص 116)

قلت[12] : أمّا رجوع الوجه الثالث إلى الوجه الثاني فهو[13] باطل؛ لأنّ‌ مرجع جعل مدلول الأمارة في حقّه[14] - الذي هو مرجع الوجه الثاني- إلى أنّ صلاة الجمعة واجبة عليه واقعاً[15] ، كالعالم بوجوب صلاة الجمعة، فإذا[16] صلّاها فقد فعل الواجب الواقعي، فإذا انكشف مخالفة الأمارة للواقع فقد انقلب موضوع الحكم واقعاً إلى موضوعٍ آخر[17] ، كما إذا صار المسافر بعد فعل صلاة القصر حاضراً إذا قلنا[18] بكفاية السفر في أوّل الوقت لصحّة القصر واقعاً.

و معنى وجوب العمل‌ على طبق الأمارة[19] : وجوب ترتيب‌ أحكام الواقع‌ على‌ مؤدّاها[20] من دون أن يحدث[21] في الفعل مصلحةٌ على تقدير مخالفة الواقع- كما يوهمه[22] ظاهر عبارتي العدّة و النهاية المتقدّمتين‌- فإذا[23] أدّت[24] إلى وجوب صلاة الجمعة واقعاً، وجب ترتيب أحكام الوجوب الواقعي و تطبيق العمل على وجوبها الواقعي، فإن[25] كان في أوّل الوقت جاز الدخول فيها بقصد الوجوب و جاز تأخيرها، فإذا فعلها[26] جاز له فعل النافلة و إن حرمت[27] في وقت الفريضة المفروض كونها في الواقع هي‌ الظهر؛ لعدم وجوب الظهر عليه فعلاً و رخصته في تركها. و إن كان في آخر وقتها حَرُم تأخيرها و الاشتغال بغيرها.