و أمّا دليله الثاني، فقد اُجيب عنه‌:

تارةً: بالنقض بالاُمور الكثيرة الغير المفيدة للعلم، كالفتوى و البيّنة و اليد، بل القطع[1] أيضاً؛ لأنّه قد يكون جهلاً مركّباً [2] .[3]

و اُخرى: بالحلّ، بأنّه إن اُريد تحريم الحلال الظاهري أو عكسه فلا نسلّم[4] لزومه، و إن اُريد تحريم الحلال الواقعي ظاهراً فلا نسلّم امتناعه[5] .

و الأولى[6] أن يقال: إنّه إن أراد امتناع التعبّد بالخبر في المسألة التي انسدّ[7] فيها باب العلم بالواقع، فلا يعقل[8] المنع عن العمل به، فضلاً عن امتناعه؛ إذ مع فرض عدم التمكّن من العلم بالواقع إمّا أن يكون للمكلّف حكمٌ في تلك الواقعة[9] ، و إمّا أن لا يكون له فيها حكمٌ[10] ، كالبهائم و المجانين.

فعلى الأوّل[11] ، فلا مَناص[12] عن إرجاعه إلى ما لا يفيد العلم من الاُصول أو الأمارات الظنيّة التي منها خبر الواحد.

و على الثاني[13] ، يلزم ترخيص فعل الحرام الواقعي و ترك الواجب الواقعي، و قد فرّ[14] المستدلّ منهما.

فإن التزم أنّ مع عدم التمكّن من العلم لا وجوب[15] و لا تحريم؛ لأنّ الواجب و الحرام ما علم بطلب فعله أو تركه.

قلنا: فلا يلزم من التعبّد[16] بالخبر تحليل حرام أو عكسه.

و كيف كان[17] : فلا نظنّ بالمستدلّ إرادة الامتناع في هذا الفرض[18] ، بل الظاهر أنّه[19] يدّعي الانفتاح؛ لأنّه أسبق من السيّد و أتباعه الذين ادّعوا انفتاح باب العلم[20] .

و ممّا ذكرنا ظهر[21] : أنّه لا مجال للنقض عليه[22] بمثل الفتوى؛ لأنّ المفروض انسداد باب العلم على المستفتي، و ليس له[23] شي‌ء أبعد من تحريم الحلال و تحليل الحرام من العمل بقول المفتي، حتّى أنّه لو تمكّن من الظنّ الاجتهادي[24] فالأكثر على عدم جواز العمل بفتوى الغير.

و كذلك[25] نقضه بالقطع مع احتمال كونه في الواقع جهلاً مركّباً؛ فإنّ باب هذا الاحتمال منسدّ على القاطع[26] .