أمّا الكلام في الأوّل[1] ، فمحصّله:

أنّ مجرّد تردّد التكليف بين شخصين لا يوجب على أحدهما شيئاً؛ إذ العبرة في الإطاعة و المعصية بتعلّق الخطاب بالمكلّف الخاصّ، فالجنب‌ المردّد بين شخصين غير مكلّفٍ بالغسل و إن ورد من الشارع:

أنّه يجب الغسل على كلّ جنبٍ؛ فإنّ كلاً منهما شاكٌّ[2] في توجّه هذا الخطاب إليه، فيقبح عقاب واحدٍ من الشخصين يكون جنباً بمجرّد هذا الخطاب الغير المتوجّه‌ إليه.

نعم، لو اتّفق لأحدهما[3] أو لثالثٍ[4] علمٌ[5] بتوجّه خطابٍ[6] ‌ إليه دخل[7] في اشتباه متعلّق التكليف الذي تقدّم حكمه بأقسامه.

و لا بأس بالإشارة إلى بعض فروع المسألة؛ ليتّضح انطباقها على ما تقدّم في العلم الإجمالي بالتكليف.

فمنها: حمل أحدهما الآخر و إدخاله في المسجد للطواف أو لغيره، بناءً على تحريم[8] إدخال الجنب أو إدخال النجاسة الغير المتعدّية[9] :

فإن قلنا: إنّ الدخول و الإدخال متحقّقان بحركةٍ واحدة[10] ، دخل في المخالفة المعلومة تفصيلاً و إن تردّد[11] بين كونه من جهة الدخول أو الإدخال.

و إن جعلناهما متغايرين في الخارج كما في الذهن:

فإن جعلنا الدخول و الإدخال راجعين إلى عنوان مُحَرَّمٍ واحد[12] - و هو القدر المشترك بين إدخال النفس و إدخال الغير- كان من المخالفة المعلومة للخطاب التفصيلي، نظير ارتكاب المشتبهين بالنجس.

و إن جعلنا كلاً منهما عنواناً مستقلاً، دخل في المخالفة للخطاب المعلوم بالإجمال الذي عرفت فيه الوجوه المتقدّمة.

و كذا[13] من جهة دخول المحمول و استئجاره الحامل- مع قطع النظر عن حرمة الدخول و الإدخال عليه أو فرض عدمها-؛ حيث إنّه علم‌ إجمالاً بصدور أحد المحرّمين: إمّا دخول المسجد جنباً، أو استئجار جنبٍ للدخول في المسجد[14] .

إلّا أن يقال بأنّ الاستئجار تابعٌ لحكم الأجير، فإذا لم يكن‌ في تكليفه محكوماً بالجنابة و اُبيح له الدخول في المسجد، صحّ استئجار الغير له.

جلسه 34 (ص 98)

و منها[15] : اقتداء الغير بهما في صلاةٍ[16] أو صلاتين:

فإن قلنا بأنّ عدم جواز الاقتداء من أحكام الجنابة الواقعيّة[17] ، كان الاقتداء بهما في صلاةٍ واحدة موجباً للعلم التفصيلي ببطلان الصلاة، و الاقتداء بهما في صلاتين من قبيل ارتكاب الإناءَين[18] ، و الاقتداء بأحدهما في صلاةٍ واحدةٍ كارتكاب أحد الإناءَين[19] .

و إن قلنا: إنّه يكفي في جواز الاقتداء عدم جنابة الشخص في حكم نفسه[20] ، صحّ الاقتداء في صلاةٍ فضلاً عن صلاتين؛ لأنّهما طاهران[21] بالنسبة إلى حكم الاقتداء.

و الأقوى: هو الأوّل[22] ؛ لأنّ الحدث[23] مانعٌ واقعي لا علمي[24] .

نعم، لا إشكال في استئجارهما لِكَنس[25] المسجد فضلاً عن استئجار أحدهما؛ لأنّ صحّة الاستئجار تابعةٌ[26] لإباحة الدخول لهما لا للطهارة الواقعيّة، و المفروض إباحته[27] لهما.

و قس على ما ذكرنا جميع ما يرد عليك، مميّزاً بين الأحكام المتعلّقة بالجنب من حيث الحدث الواقعي، و بين الأحكام المتعلّقة بالجنب من حيث إنّه[28] مانعٌ ظاهريّ للشخص المتّصف به[29] .[30]