و إن كانت المخالفة مخالفةً لخطابٍ مردَّدٍ بين خطابين[1] - كما إذا علمنا بنجاسة هذا المائع[2] أو بحرمة هذه المرأة، أو علمنا بوجوب الدعاء[3] عند رؤية هلال شهر رمضان أو بوجوب الصلاة عند ذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم- ففي المخالفة القطعيّة حينئذٍ وجوه[4] :

أحدها: الجواز مطلقاً [5] ؛ لأنّ المردّد[6] بين الخمر و الأجنبيّة لم يقع النهي[7] عنه في خطابٍ من الخطابات الشرعيّة حتّى يحرم ارتكابه، و كذا المردّد بين الدعاء و الصلاة؛ فإنّ الإطاعة و المعصية عبارة عن موافقة الخطابات التفصيليّة و مخالفتها[8] .

الثاني: عدم الجواز مطلقاً؛ لأنّ مخالفة الشارع[9] قبيحةٌ عقلاً مستحقّةٌ للذمّ عليها، و لا يُعذَرُ فيها إلّا الجاهل[10] بها.

الثالث: الفرق بين الشبهة في الموضوع و الشبهة في الحكم، فيجوز في الاُولى دون الثانية؛ لأنّ المخالفة القطعيّة في الشبهات الموضوعيّة فوق حدّ الإحصاء[11] ، بخلاف الشبهات الحكميّة، كما يظهر من كلماتهم في مسائل الإجماع المركّب[12] .

و كأنّ الوجه[13] ما تقدّم: من أنّ الاُصول في الموضوعات تُخرج مجاريها عن موضوعات أدلّة التكليف، بخلاف الاُصول في الشبهات الحكميّة؛ فإنّها[14] منافية[15] لنفس الحكم الواقعي المعلوم إجمالاً.

و قد عرفت ضعف ذلك[16] ، و[17] أنّ مرجع الإخراج الموضوعي إلى رفع الحكم المترتّب‌ على ذلك، فيكون الأصل في الموضوع في الحقيقة منافياً[18] لنفس الدليل الواقعي، إلّا أنّه حاكمٌ عليه[19] لا معارضٌ[20] له، فافهم.

جلسه 33 (ص 95)

الرابع: الفرق بين كون الحكم المشتبه في موضوعين واحداً بالنوع- كوجوب أحد الشيئين- و بين اختلافه[21] ، كوجوب الشي‌ء و حرمة آخر[22] .

و الوجه في ذلك: أنّ الخطابات في الواجبات الشرعيّة[23] بأسرها في حكم خطابٍ واحدٍ بفعل الكلّ[24] ، فترك البعض[25] معصيةٌ عرفاً، كما لو قال المولى: افعل كذا و كذا و كذا، فإنّه بمنزلة افعلها جميعاً، فلا فرق في العصيان بين ترك واحدٍ منها معيّناً [26] أو واحدٍ غير معيّنٍ[27] عنده.

نعم، في وجوب الموافقة القطعيّة بالإتيان بكلّ واحدٍ من المحتملين كلامٌ آخر مبنيٌّ على: أنّ مجرّد العلم[28] بالحكم الواقعي يقتضي البراءة[29] اليقينية عنه، أو يكتفى بأحدهما؛ حذراً عن المخالفة القطعيّة التي هي بنفسها مذمومةٌ عند العُقلاء و يُعَدُّ معصية عندهم و إن لم يلتزموا الامتثال اليقيني لخطابٍ مجمل.

و الأقوى من هذه الوجوه: هو الوجه الثاني[30] ، ثمّ الأوّل[31] ، ثمّ الثالث[32] . [33]

هذا كلّه في اشتباه الحكم من حيث الفعل المكلّف به.

و أمّا الكلام في اشتباهه من حيث الشخص المكلّف بذلك الحكم، فقد عرفت أنّه[34] :

يقع تارةً في الحكم الثابت لموضوعٍ واقعيٍّ مردَّدٍ بين شخصين، كأحكام الجنابة المتعلّقة بالجنب المردّد بين واجدي المني.

و قد يقع في الحكم الثابت لشخصٍ من جهة تردّده بين موضوعين، كحكم الخنثى المردّد بين الذكر و الاُنثى.