و لو فرض[1] ثبوت الدليل- عقلاً أو نقلاً- على وجوب الالتزام بحكم اللّه الواقعي، لم ينفع[2] ؛ لأنّ الاُصول تحكم في مجاريها بانتفاء الحكم الواقعي، فهي[3] - كالاُصول في الشبهة الموضوعيّة- مُخرجة[4] لمجاريها عن موضوع ذلك الحكم، أعني وجوب الأخذ بحكم اللّه[5] .

هذا[6] ، و لكنّ التحقيق[7] : أنّه[8] لو ثبت هذا التكليف- أعني وجوب الأخذ بحكم اللّه و الالتزام به مع قطع النظر عن العمل- لم تجرِ الاُصول؛ لكونها[9] موجبةً للمخالفة العمليّة للخطاب التفصيلي أعني وجوب الالتزام بحكم اللّه، و هو[10] غير جائزٍ حتّى في الشبهة الموضوعيّة- كما سيجي‌ء- فيخرج[11] عن المخالفة الغير العمليّة.

فالحقّ[12] : منع فرض قيام الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع‌.

فالتحقيق[13] ‌: أنّ طرح‌ الحكم الواقعي و لو كان معلوماً تفصيلاً ليس محرَّماً إلّا من حيث كونها معصيةً[14] دلّ العقل على قبحها و استحقاق العقاب بها، فإذا فرض العلم تفصيلاً بوجوب شي‌ءٍ فلم يلتزم به[15] المكلّف إلّا أنّه‌ فعله لا لداعي الوجوب، لم يكن عليه شي‌ء. نعم، لو اُخذ في ذلك الفعل نيّة القربة، فالإتيان به لا للوجوب مخالفةٌ عمليّةٌ و معصيةٌ؛ لترك المأمور به[16] ؛ و لذا[17] قيّدنا الوجوب و التحريم في صدر المسألة بغير ما علم كون أحدهما المعيّن تعبّديّاً.

فإذا كان هذا حال العلم التفصيلي، فإذا علم إجمالاً بحكمٍ مردَّدٍ بين الحكمين، و فرضنا إجراء الأصل في نفي الحكمين اللذين علم بكون أحدهما حكم الشارع، و المفروض أيضاً عدم مخالفتهما[18] في العمل[19] ، فلا معصية[20] و لا قبح[21] ، بل و كذلك[22] لو فرضنا عدم[23] جريان الأصل؛ لما عرفت من ثبوت ذلك[24] في العلم التفصيلي‌.

فمُلَخَّصُ الكلام: أنّ المخالفة من حيث الالتزام ليست مخالفةً[25] ، و مخالفة الأحكام الفرعيّة إنّما هي في العمل، و لا عبرة[26] بالالتزام[27] و عدمه[28] .[29]