< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

45/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص النتائج في المعاطاة2.

 

كنا في أصل المطلب وهو جرد نتائج مبحث المعاطاة في البيع وأنه هل المعاطاة بيع وفيه ملكية وصحة أو لزوم وشرحنا جملة من الأمور في هذا المجال، ومر بنا أنَّ ما استصحبه جملة من الاعلام في تطبيق مسلك المشهور على القواعد ببركة بيان الآخوند والسيد اليزدي أنَّ مسلك المشهور قابل للتطبيق على القواعد تماماً وبالتالي هذه النتيجة هي موجودة أيضاً وهي أنَّ الفعل بما هو فعل عند العرف ليس آلة لإنشاء اللزوم بل لابد وأن ينضم إليه شيء آخر كالتصرفات، والشيخ وغيره من الاعلام وحتى كاشف استشكلوا بأنه كيف يكون التصرف المتوقف على الملك هو المملك والحال أنه لم يقصد به التمليك وأما نفس المعاطاة كإنشاء التي قصد بها التمليك لا تملك؟!! وكان جواب العلمين اليزدي والآخوند هو أنَّ المعاطاة نفسها بشرط التصرف تكون آلة انشاء تامة وأما من دون التصرفات المتوقفة على الملك فلا يحصل سبب الانشاء أو آلية الانشاء المملك ولا مانع من ذلك، فالمعاطاة أيجاب وقبول شبيه الايجاب والقبول في الهبة والصدقة والاوقاف فإنه إذا أنشأ الهبة ايجاباً وقبل الموهوب انشاءً هذه الصحة للهبة هي صحة تأهلية كما مر بنا وليست صحة فعلية والصحة التأهلية يعني لم تتحقق الصحة وإنما هي أرضية الصحة، شبيه البيع الفضولي فإنه إذا لم يجيز المالك لم يتحقق البيع وإنما هو انشاء اعدادي صوري وطبعاً الصحة التأهلية لها ثمرة في مقابل العقد الفاسد ذاتاً، فإذا بين المعاطاة والتصرفات المتوقفة على الملك عند العرف أن التصرفات المتوقفة على الملك شرطٌ ضميمي كالقبض في العقد لا أنَّ التصرفات المتوقفة على الملك هي السبب المستقل المنفرد للملكية، يعني جملة من إشكالات كاشف الغطاء أو الشيخ الأنصار أو حتى صاحب الجواهر أنهم نظروا إلى التصرفات المتوقفة على الملك هي مملكة بمفردها دون المعاطاة وهذا لا حاجة إليه بل يمكن تصوير أن هذه التصرفات ضميمة إلى المعاطاة فهي ضميمة إلى العقد أو المعاملة التي أنشئت في المعاطاة كشرط وهذا لا مانع منه.

دعونا نعي نقل ما استقصاه الشيخ الانصاري:- الشيخ الانصاري ذكر ووجوهاً متعددة وهي وجوه صناعية فذلكية ولكنها كلها بنيت على أنَّ التصرفات المتوقفة على الملكية سبب مستقل بمفرده ولكن لماذا نحمل كلام المشهور على هذا المطلب، كما أنَّ جملة من إشكالات الشيخ جعفر كاشف الغطاء أنَّ ما قصد بهذه التصرفات لم يقع وما قع لم يقصد أيضاً هو مبني على أنَّ هذه التصرفات هي سبب مستقل للملكية والمعاطاة التي قصد بها الملكية لم تقع على الملكية وما وقع وهو الاباحة لم يقصد كل هذا مبني على التفكيك بين التصرفات وبين المعاطاة - التفكيك المستقل المتجزئ - والحال أنه بتوجيه العلمين اليزدي والآخوند أنه لماذا تفككون بل اجعلوها ضميمة وبها ينحل الامر تماماً كما هو الحال في الهبة والصدقة والاوقاف وهلم جرا.

فالمهم أن الوجوه التي ذكرها الشيخ يه هكذا وهي إما أن نخصص أدلة الملكية ونقول هذه التصرفات لا تحتاج إلى لكية وهذا لا يمكن الالتزام به، أو نقول إنَّ المالك يوكل ويأذن للطرف الآخر المتصرف أن يتملكها ثم يقوم بالتصرف المتوق فعلى الملك وهذا أيضاً لا نحتاج إليه أو نلتزم بالملك التقديري أو نلتزم بالكاشف تقريباً أربع أو خمسة وجوه كلها مبنية على أنَّ التصرفات الملزمة كسبب مستقل للملكية وهذا لا حاجة إلية، بل نفس المعاطاة بضميمة هذه التصرفات تكون مملكة ولا مانع من ذلك.

فإذاً المحصل من توجيه السيد اليزدي والآخوند - وهذا ليس اختيارهم وإنما توجيه السيد والآخوند لمسلك المشهور - أنّ المعاطاة صحة تأهلية في المعاطاة وبضميم التصرف تكون سبباً تاماً إنشائي للزوم والصحة معاً وأمس مرَّ بنا أن الصحة الفعلية، وهذا بحث الصحة التأهلية الفعلية والصحة التأهلية ومعاني الصحة خمسة معانٍ ذكرها الاصوليون في مبحث الصحيح والأعم تقابلها خمس معانٍ للفاسد، وهذه بحوث عمود فقري لمباحث الخلل في العبادات أو مباحث المعاملات، ومنه يعرف أنَّ مبحث الصحيح والأعم من البحوث البنيوية في علم الأصول لا أن يحذف هذا المبحث ولا أن يجعل من مقدمات علم الاصول كما في الكفاية وإنما هذا المبحث أساسي بنيوي كما أنَّ مبحث الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية والحقيقة التكوينية وحقيقة عرفية اعتبارية هذا مبحث حساس جداً يدور عليه اكثر أبواب الفقه في العبادات والمعاملات فكيف يكون مبحثاً خارجاً عن علم الأصول كلا بل مبحث مهم جداً وكثيرا ما يرتبط بهاذ الوجه، صناعة فن المركبات في العبادات والمعاملات يعتمد على هذين المبحثين في علم الأصول.

فإذا تفسير العلمين لمسلك المشهور على طبق القواعد أنه بمجرد انشاء المعاطاة لأنه ليس انشاء لزوم تام تكون صحة تأهلية فقط ولا يتحقق البيع الفعلي حتى العرفي فإنه في العرف حسب توجيه العلمين هذا بيع تأهلي وليس بيعاً ذو صحة فعلية، طبعاً معنى الصحة الفعلية وجود المعاملة بالفعل ولكن بضميمة التصرفات المتوقفة على الملك حينئذٍ يتحقق آلية الانشاء والمنشأ هو أنَّ اللزوم في عقد البيع أو العقود اللازمة اللزوم بمعنى نقل تمام خيوط سلطنة الملكية على ذات العين بخلاف الهبة وإن ابقى المالك سلطنة له على السبب لا على العين، ومثال هذا مرَّ بنا مراراً الآن الوقف لا سيما وقف المساجد فإنه من أشد الاوقاف تأبيداً فقمة الأوقاف هي المساجد من حيث تشدد احكامها وتأبيدها وبتيتها وحتميتها وما شاكل ذلك ولكن حتى في وقف المساجد مر بنا أنه يبقى للواقف المالك خيط سلطنة على أرض المسجد اليت كانت ملكه واي خيط من خيوط السلطنة؟ إنَّه التولي والنظارة ولذلك يصح له أن يعني ولياً على المسجد وإن لم يتعين تلقائياً يكون هو الولي ولا يحتاج إلى الذهاب إلى الحاكم الشرعي لأنَّ بيده خيط من خيوط السلطنة، وهذا مثال على أنه كيف خيوط السلطنة متعدد فإذا كان في الوقف الذي هو لزوم حكمي بتي حتمي ولكن مع ذلك يبقى خيط من خيوط السلطنة ولكن ليس على العين وإنما على نظارة المسجد فضلاً عمن دون من الاوقاف كذلك في البيع حينما يقال البيع عقد لزوم فهو ينقل كل خيوط السلطنة ولكن المالك بخيار الشرط أو خيار آخر يبقي لنفسه خيطاً من خيوط سلطنة الملكية على السبب الناقل فاللزوم الذي ادعي من قبل المشهور في أنَّ البيع والاجارة وما شاكلها من العقود اللازمة مقصودهم أي لزوم هو فإنَّ اللزوم متعدد المعاني؟ هنا اللزوم بمعنى نقل تمام خيوط سلطنة الملكية على العين وإن أبقى خيط سلطنةٍ على السبب، في مقابل لزوم حقي وفي مقابل لزوم حكمي، فإنه توجد ثلاثة معاني للزوم أو أكثر في مقابل الجواز، إذا المعاطاة بيع عرفي ليس فعلياً بل هو تأهلي في الصحة ولكن بضميمة التصرفات الملزمة تتحقق الصحة الفعلية ويتحقق اللزوم.

إذاً هناك معنى رائع بديع لذاتية اللزوم في البيع والاجارة والقرض وما شكالها في العقود اللازمة ذاتاً وهذا المعنى البديع فيه تلازم بين الصحة الفعلية واللزوم، وأي لزوم؟ ليس اللزوم الحقي ولا اللزوم الحكمي؟ هذا اللزوم الذاتي في البيع يعني هو مثل العارض الذاتية اللازمة لذات صحة البيع فهذا المعنى من اللزوم لا ينفك مع الصحة الفعلية ولذلك يسمى ذاتياً وما هو معنى هذا اللزوم الذي فسره السيد اليزدي والآخوند ولم يتنبه إليه الشيخ الأنصاري وهو نقل كافة خيوط السلطنة على العين لا خيط السلطنة على العقد بخلاف الهبة فإنَّ الهبة وما شاكلها كهب المنافع أو هبة الاعيان أو الجعالة قبل اللزوم ليس فيها نقل لكافة خيوط السلطنة، فإذاً أحد معاني اللزوم في مقابل الجواز الذي في الهبة أنه في الهبة ينقل غالب خيوط سلطنة الملكية على العين ويبقي لنفسه خيط سلطنة على العين ولذلك فله أن يستردها ولذلك في الهبة يعبر نصَّاً وفتوىً جواز استراد عين الموهب يعني يتصرف في نفس العين من دون أن يحتاج أن يتصرف في عقد الهبة وهذا معناه أنه مع أنه نقل العين ولكنه ابقى لنفسه خيطاً من السلطنة عليها، وهذا شبيه الشريك فإنَّ الواهب هنا ليس بشريك وإنما يوجد نوع من التمازج الهندسي العجيب الغريب فالواهب ليس شريكاً مع الموهوب له في العين الموهوبة ولكن باستطاعته أن يستردها، وهل نقول هو شريك في الولاية؟ إنَّ هذا يمكن تصويره، فلاحظ أنه توجد نماذج عجيبة في الفقه، فهنا المالك يسترد العين يعني عنده نوع ولاية لا زالت له مع العين ولذلك لا يحتاج أن يذهب إلى العقد ويفسخه بل نفس العين الموهوبة لازالت في حبالة وعصمة الواهب، هذا في العقود الجائزة كالهبة والوديعة وما شاكلها، وأما في العقود اللازمة كالبيع والاجارة والقرض والصلح فإن كافة خيوط سلطنة المالك عن العين ينقلها وتنقطع عنه وإذا نقلها صار لزوم وحينئذٍ لا تنفك الصحة عن اللزوم وهذا المعنى من اللزوم ذاتي في البيع وإن لم يكن هكذا في البيع فليس ببيع لأن طبيعة البيع هو وهذا وهو من احد الفوارق الأساسية بين البيع والهبة هو هذا.

فإذا الفرق في نقل الملكية ليس كما ادعاه الشيخ وأنَّ الملكية الواحدة كلا بل الفرق في البيع أنه نقل لتمام الخيوط وأما في الهبة ليست نقلاً لتمام الخيوط ولو كانت الهبة معوّضة.

إذاً في المعاطاة انشئ اللزوم تأهلياً وانشئت الصحة تأهلياً ولا تكون الصحة فعلية واللزوم فعلية إلا بالتصرفات فهذه التصرفات لا نقول هي كاشفة أو نقول كيف إنَّ التصرف يتوقف على الملك فكيف الملك يتوقف عليه؟! فلو فرض أنه يريد أن يعتق فهذا العتق يتوقف على الملك فكيف يكون الملك في المعاطاة يتوقف عليه؟!! ولكن نقول إنَّ الامر ليس من هذا الباب، وشبيه هذه المغالطة والشبهة القبض في الهبة فإنه كيف يصير مملّكاً فإنَّ الهبة من دون قبض ليس فيها صحة فعلية وإنما القبض في الهبة شرط في الصحة وفي أصل الملكية، فهنا ايضاً المغالطة موجودة فإنه قد يقال كيف يقبض ما ليس ملكاً له؟!!، وهل القبض في الهبة هو اقباض وقبض أو أنه قبض من دون اقباض هذا بحث آخر، وكما في الوقف فإنه لا تحقق الصحة الفعلية إلا بالقبض وحينما يقال لابد من القبض في الوقف فهذا هو معناه، أما في الوقف العام كيف يحصل القبض فإنَّ الكثير قد اشترطوا ذلك وحتى الذين لم يشترطوه فقد اشترطوه بطريق آخر؟ قالوا إنَّ القبض في الوقف العام له آليات فإما أن يأتون مصلّون فيصلّون لأنه هو موقوف عليهم فبصلاتهم قد قبضوه أو متولي الوقف يقبض بنية الوقف وهذان نمطان أو أكثر من آليات قبض الوقف كمسجد أو مدرسة أو مستشفى فهاذ يعبرون عنه بالقبض وطبعاً في الوقف العام قال البعض أنه لا يشترط ولكن تلقائياً يشترط هذه الآليات وهذه الآليات هي نوع من القبض ونحن كلامنا ليس في الوقف وشؤونه وإنما كلامنا في هذا المطلب وهو أن انشاء العقد بضميمة القبض أو بضميمة تصرفات ملزمة فإذاً هذه الفترة الزمنية بين المعاطاة والتصرفات الملزمة عند المشهور لم تتحقق الصحة الفعلية ولم يتحقق اللزوم ولكن توجد صحة تأهلية وبيع عرفي تأهلي موجود وهذا شبيه الهبة قبل القبض، فإداً لا ينفى بيعية المعاطاة العرفي وإنما ينفى فعلية البيع وفعلية الصحة وفعلية اللزوم وهذا لا يوجد فهي ارباك.

أيضاً من الاحكام الأخرى على هذه المعاطاة في هذه الفترة المتخللة بين المعاطاة والتصرفات الناقلة أو التصرفات المتوقفة على الملك في هذه الفترة ايضاً يلتزم بالإباحة سواء كان اباحة شرعية أو مالكية فإنه لا مانع من ذلك لأن المتعاطيين قد أقدما على التعاوض فلا المانع من ذلك.

فإذاً اجمالاً هذا كله في تصوير وتوجيه فتوى المشهور على القواعد ولكن هذا التصوير والتوجيه والتفسير للمشهور على القواعد فيما إذا قصد العرف والمتعاطيان البيع كما في البيوعات المتوسطة أو الخطيرة أما في البيوعات اليسيرة الانصاف أن السيرة العرفية جارية على الأربع صور التي ذكرها الشيخ الانصاري في التنبيه الرابع ولا تنحصر بالبيع الذي احتيج إلى توجيهه وتفسيره بكلام السيد اليزدي والآخوند.

إذاً في المحقرات - وهذا هو الذي فصّلنا فيه في المنهاج - يمكن أن يقع على وجهين بيع أو اباحة متعاوضة، وهذه الاباحة المتعاوضة سيأتي تتمة احكامها والكلام فيها هذا في الأمور اليسيرة أو المحقرة، وأما في الأمور المتوسطة أو ما فوقها السيرة العرفية على قصد البيع وهذا البيع لا يفيد الملكية بنفسه في المعاطاة وإنما يفيد الاباحة إلا إذا ضمت إليه التصرفات الملزمة الناقلة، هذا هو تمام التفصيل والمختار في المعاطاة وقديماً التزمنا به والآن نلتزم به أيضاً لا سيما مع التوجيه والتفسير من العلمين.

أما التنبيهات التي سيذكرها الشيخ الانصاري فهي متممة لجوهر البحث في المعاطاة: -

التنبيه الأول: - هل يشترط في صحة المعاطاة بقية شرائط البيع - إذا كانت معطاة بيعية أو الاجارة لو كانت اجارية - فهل يشترط فيها بقية شراط الصحة مثلاً يلزم أن لا تكون غررية وأن يتم القبض في المجلس لو كان بيع نقد الذهب والفضة أو غير ذلك من الشرائط أو لا يشترط فيها ذلك على مسلك المشهور؟

وقبل أن ندخل في هذا التنبيه فتنا أن ذكر شيئاً: - وهو أنَّه أيهما أولى فهل هو مختار المعاصرين في القرنين الأخيرين أو مسلك المشهور الذي نقلنا توجيهه وتفسيره؟، فإنَّ هذا لابد وأن نقف عنده يسيراً ثم ندخل في التنبيه الأول وسنرى أنَّ مسلك المشهور هو الامتن من مسلك متأخري الاعصار وسنبينه إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo