< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب البيع

 

وأمَّا ما ذهب إليه صاحب الحدائق (رحمه الله) من القول بالجواز، فقد يستدل لذلك بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة بريد (قَاْل: سألتُ أبا جعفر عليه‌السلام عنِ الرَّطْبة تُباع قطعتَيْن أو ثلاث قطعاتٍ؟ فقال: لا بأس، قَاْل: وأكثرت السُّؤال عن أشباه هذا، فجعل يقول: لا بأس به، فقلتُ: أصلحك الله! ـاستحياء من كثرة ما سألته وقوله: لا بأس به - إنَّ مَنْ يلينا يفسدون هذا كلّه، فقال: أظنُّهم سمعوا حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النَّخل، ثمّ حال بيني وبينه رجل فسكت، فأمرت مُحمّد بن مسلم أن يسأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النَّخل؟ فقال أبو جعفر عليه‌السلام: خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع ضوضاء، فقال: ما هذا؟ فقيل له: تبايع النَّاس بالنَّخل، فقعد النَّخل العام، فقال عليه‌السلام: أما إذا فعلوا فلا تشتروا النَّخل العام حتَّى يطلع فيه الشَّيء، ولم يحرمه)[1]

وقعد النَّخل، أي لم يحمل هذه السَّنة.

وهي واضحة الدَّلالة، حيث قال: (ولم يحرمه)، كما أنَّها صحيحة السَّند.

والمراد من الحجَّال الموجود في السَّند هو عبد الله بن مُحمّد الأسديّ الثِّقة.

وأمَّا ما في الوسائل: (مُحمّد بن الحجّال)، فهو اشتباه؛ إذ لا وجود لمُحمّد بن الحجّال.

ولذا في التَّهذيب ذكر الحجّال فقط، وكذا في الكافي، وهو عبد الله، كما عرفت.

ومنها: حسنة الحلبيّ ( قَاْل: سُئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن شراء النَّخل والكرم والثِّمار ثلاث سنين أو أربع سنين؟ فقال: لا بأس، تقول: إن لم يخرج في هذه السَّنة أخرج في قابل، وإنِ اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتَّى يبلغ، وإنِ اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس، وسُئل عن الرَّجل يشتري الثَّمرة المُسمّاة من أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلّها؟ فقال: قدِ اختصموا في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، فكانوا يذكرون ذلك، فلمَّا رآهم لا يدعون الخُصومة نهاهم عن ذلك البيع حتَّى تبلغ الثَّمرة ولم يحرمه، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم)[2]

وقوله في صدر الرِّوايّة: ( وإنِ اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتَّى يبلغ)، محمولٌ على الكراهة؛ لصراحة الذَّيل بالجواز أو أظهريّته.

ومنها: رواية ربعيّ ( قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله عليه‌السلام: إنَّ لي نخلاً بالبصرة، فأبيعه وأُسمي الثَّمن، وأستثني الكُرّ من التَّمر أو أكثر أو العدد من النَّخل، فقال: لا بأس، قلتُ: جعلت فداك! بيع السَّنتَيْن، قَاْل: لا بأس، قلتُ: جعلت فداك! إنَّ ذا عندنا عظيم، قَاْل: أما إنَّك إن قلت ذاك لقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحلّ ذلك، فتظالموا (فتظلموا)، فقال عليه‌السلام: لا تُباع الثَّمرة حتّى يبدو صلاحها)[3]

وهي، وإن كانت ظاهرة الدَّلالة، إلَّا أنَّها ضعيفة؛ لأنَّ مُحمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكُلينيّ هو البندقيّ النَّيشابوريّ المجهول.

هذا، وقد حمل صاحب الحدائق (رحمه الله) الرِّوايات الدَّالّة على التَّحريم على التَّقيّة؛ لأنَّ مذهب العامَّة يومئذٍ تحريم بيع الثَّمرة قبل ظُهورها عاماً أو عامَيْن.

والإنصاف: أنَّه لولا شُبهة التَّسالم بين الأعلام على الحرمة لكان مقتضى الجمع العرفيّ حمل الرِّوايات الظَّاهرة في الحرمة على الكراهة؛ لصراحة الرِّوايات الأُخرى أو أظهريّتها في الجواز.

والحمل على التَّقيّة إنَّما يصحّ إذا لم يمكن الجمع العرفيّ، ووصلت النَّوبة إلى التَّعارض.

ولكن شُبهة التَّسالم على الحرمة منعتنا من الذَّهاب إلى الجواز.

فالأحوط، إن لم يكن أقوى: هو الحُرمة.

وأمَّا قضيَّة أنَّ الثَّمرة معدومة لا تصلح للنَّقل قبل وجودها، والمبيع لابُدّ أن يكون موجوداً.

ففيه: أنَّ تمليك المعدوم، وإن كان غير جائزٍ، إلَّا أنَّه لا بأس به إذا قام الدَّليل عليه بالخُصوص، كما في المُضاربة والمُزارعة والمُساقاة، حيث قام الدَّليل بالخُصوص هناك على جواز تمليك المعدوم.

فهكذا نقول هنا، لولا الشُّبهة التَّسالم على الحرمة، فإنَّ الرِّوايات الدَّالّة على الجواز دالَّةٌ على ذلك أيضاً، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo