< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/11/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الحيوان

 

قوله: (وحَمْلها على إنكار مولى الأب البيع يُنافي منطوقها)

هذا ردّ من العلَّامة (رحمه الله) في القواعد، حيث أجاب عن المخالفة الأولى للقاعدة بحمل الرِّواية على أنَّ مولى الأب ينكر البيع من أساسه، لا أنَّه يدّعي فساده حتَّى يقدّم عليه قول مدَّعي الصِّحّة.

ولكنَّ هذا الكلام من العلَّامة (رحمه الله) ليس تامّاً؛ لأنَّ الرِّواية صريحةٌ في دعوى مولى الأب أنَّه اشتراه بماله.

قوله: (وفي النَّافع يحكم بإمضاء ما فعله المأذون، وهو قويّ إذا أقرّ بذلك؛ لأنَّه في معنى الوكيل)

قال المُحقِّق في النَّافع: أنَّ الَّذي (يناسب الأصل الحكم بإمضاء ما فعله المأذون ما لم يقم بيّنة تنافيه...)[1]

وقوّاه المُصنِّف (رحمه الله) مع إقرار العبد المأذون باعتبار أنَّ الإقرار كالإقرار من الحُرّ من حيث الأمانة.

وعليه، فتشمله الأدلَّة.

وأمَّا ورثة الميِّت، فلا تقبل دعواهم بعد التَّسليم أنَّ مورّثهم وصّى بذلك.

فلم يبقَ إلَّا دعوى مولى الأب الَّذي هو مدّعي الفساد، ولا تسمع دعواه بلا ببيّنة.

ولكنّ مع ذلك، فالصَّحيح: هو ما ذكرناه، فلا حاجة للإعادة.

قوله: (إلَّا أنَّ فيه طرحاً للرِّواية المشهورة)

قد عرفت أنَّه لا شهرة فتوائيَّة على طبق الرِّوايّة، ولعلّ مراده الشُّهرة الرِّوائيّة.

ومع ذلك، لم تثبت، وهو أعلم بما قال.

قوله: (وقد يُقال: إنَّ المأذون بيده مال المولى الأب وغيره، وبتصادم الدَّعاوي المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه)

يردّ عليه: أنَّ الدَّعاوى الثَّلاث غير متكافئةٍ بعد تسليم أنَّ بيده مالاً للجميع؛ لأنَّ يد من عدا مولاه خارجة، ويد مولاه داخلة -لأنَّ يد السّيِّد على العبد وما في يده- وقلنا سابقاً: إنَّ اليد الدَّاخلة مقدِّمةٌ؛ لأنَّها أقوى -وهذا بخلاف بيَّنة الخارج، فإنَّها مقدَّمة على بيَّنة الدَّاخل، كما عرفت- .

وعليه، فتسقط دعوى مولى الأب وورثة الميِّت، فلم يتم الرُّجوع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه.

قوله: (و لا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصِّحّة على الفساد؛ لأنّ دعوى الصِّحّة هنا مشتركةٌ بين متقابلَيْن متكافئَيْن فتساقطا، وهذا واضح، لا غبار عليه)

ويرد على المُصنِّف (رحمه الله): أنَّ النَّظر فيه واضح، والغبار عليه ظاهر؛ إذ تمنع دعوى اشتراك الصِّحّة بين متكافئَيْن؛ لأنَّ يد العبد المأذون داخلةٌ، ويد الورثة خارجةٌ، والخارجة لا تكافئ الدَّاخلة، فإذا قدّمت لم يبقَ لردّ الدَّعوى المشتملة على فساد البيع مانع؛ لأنَّ المانع المفروض هو تساقط تلك الدَّعويَيْن المتكافئَيْن، وقد عرفت عدم تماميّته.

والخُلاصة: ما ذكره المُصنِّف (رحمه الله) غير تامٍّ.

قوله: (وروى مُحمّد بن قيس في وليدة باعها ابن سيّدها، فاستولدها المشتري ينزعها الأب وولدها، وللمشتري أخذ البائع ليجيز أبوه البيع، وهي قضيّة عليّ عليه السَّلام في واقعة، ولعلّ ذلك استصلاح منه عليه السَّلام، وفيها دلالة على أنّ عقد الفضوليّ موقوف، وعلى أنّ الإجازة كاشفة)

ذكرنا هذه الرِّوايّة سابقاً في مبحث بيع الفضوليّ، وقلنا: إنَّ الرِّوايّة حسنةٌ بطريق الكُلينيّ، والشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بإبراهيم بن هاشم، وهي موثَّقة بطريق الشَّيخ الطُّوسيّ (رحمه الله) في التَّهذيب.

وقدِ استدلّ بها جملة من الأعلام على صحَّة بيع الفضوليّ، وذلك من جهتَيْن:

الأُولى: قوله (عليه‌السَّلام): (حتَّى ينفذ لك ما باعك)، فإنَّه ظاهر في أنَّ بيع غير المالك إذا أنفذه المالك ينفذ.

الثَّانية: قول أبي جعفر (عليه‌السَّلام) في مقام الحكاية (فلمَّا رأى ذلك سيِّد الوليدة الأوَّل أجاز بيع ابنه).

وقلنا هنا: إنَّه يوجد جملة من الإشكالات الواردة على الاستدلال بهذه الحسنة.

وقد يُقال: إنَّه لأجل هذه الإشكالات يُردّ علمها إلى أهلها (عليهم‌السَّلام).

وذكرنا هذه الإشكالات وأجوبتها هناك، فراجع[2]

قوله: (وفي تقريراته عليه السَّلام عدم ردّ الشَّاة الَّتي تأكل الذبّان؛ لمّا قال شريح: لبنٌ طيّب بغير علف)

هذه الرِّوايّة رواها شريح القاضي (قَاْل: أتى عليًّا عليه‌السلام خصمان، فقال أحدهما: إنَّ هذا باعني شاةً تأكل الذّبان، فقال شريح: لبن طيِّب بغير علفٍ، قال : فلم يردّها)[3]

والذّبان: المخاط الرَّقيق الذي يسيل من الأنف، وفي بعض النّسخ: (الذّباب)، وهو معروف جمع ذِبّان بالكسر.

وهذه الرِّوايّة ضعيفة بشريح القاضي، وجهالة الهيثم بن عبد العزيز.

ولكن مقتضى القاعدة: هو صحّة البيع.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ شُريح القاضي استقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة، فأقام قاضياً ستِّين سنةً، أو خمسة وسبعين سنةً.

وقد ذكر المُؤرِّخون أنَّه ممَّنْ شهد على حجر بن عدي الكنديّ بالكفر والخُروج عن الطَّاعة، وأراد أمير المؤمنين (عليه‌السَّلام) عزله فلم يتيسّر له؛ لأنَّ أهل الكوفة قالوا له: لا نعزله؛ لأنَّه منصوب من قِبل عمر، وبايعناك على أن لا تغيّر شيئاً قرَّره أبو بكر وعمر.

وممَّا يدلّ على ضعفه قول علي (عليه‌السَّلام): يا شُريح! جلست مجلساً لا يجلسه إلَّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ، وقد أساء الأدب كثيراً مع أمير المؤمنين (عليه‌السَّلام) منها قوله: (واسنَّة عُمراه) عند نهيه عن صلاة التَّروايح، توفّي سنة ثمانية وسبعين، وله مائة عشر سنين، أو مائة وعشرين سنة.

 


[1] المختصر النَّافع: ص133.
[2] مدارك الدُّروس (البيع): ج1، ص186.
[3] التَّهذيب: ج6، باب ابتياع الحيوان، ح36، ص91.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo