< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب البيع

 

قال المُصنِّف (رحمه الله) أيضاً في شرح نُكت الإرشاد -بعد ذِكْر الرِّواية-: (وتنزيلها: إنّ مال الكفّار في‌ء في الحقيقة للمسلمين، وثبوت اليد لمسلم عليها بعوض مدفوع تعذَّر عليه استرجاعه سلَّطه على استسعائها، جمعا بين حقِّه وحقِّ أهل الصُّلح، وأمَّا الرَّدّ على البائع فلأنَّه لم يصرِّح بأنَّه سارق، ويده‌ أقدم، ومخاطبته بالرَّدّ ألزم خصوصاً مع بُعد دار الكفر)[1]

أقول: اِعلم أوَّلاً: أنَّ مال الكفَّار الَّذي غنمه المسلمون -بعد تخميسه- هو على قسمَيْن، قسم منه للمقاتلين خاصَّة دون غيرهم من المسلمين، وقسم آخر هو عام لجميع المسلمين مقاتليهم وغير مقاتليهم، فالَّذي هو لجميع المسلمين كلّ ما عدا ما حواه العسكر من الأرضين والعقارات، وغير ذلك، فإنَّه بأجمعه فيءٌ للمسلمين مَنْ غاب منهم ومَنْ حضر على السَّواء، وما حواه العسكر يقسم بين المقاتلين خاصَّة.

وثانياً: قبل الرَّدّ على جواب المُصنِّف (رحمه الله)، حيث مال إلى العمل بالرِّواية.

أقول: إنَّ مقتضى القاعدة أنَّ المشتري يجب عليه ردّ الجارية على المالك أو وكيله، فإن تعذَّر عليه ذلك سلَّمها إلى الحاكم؛ باعتبار أنَّه وليّ الغائب، فيبحث حينئذٍ هو عن صاحبها ويردّ إليه، وإلَّا وضعها في بيت المال أو تصدَّق بها عن صاحبها من دون شرط الضَّمان أو مع نيَّته من بيت المال أو من البائع أو من المشتري أو من كليهما، وإن كان قرار الضَّمان في الواقع على الغارّ والظَّالم.

وأمَّا بالنِّسبة للثَّمن، فيجوز للمشتري مطالبة البائع به مع بقائه.

وأمَّا إذا كان تالفاً، فإن كان المشتري جاهلاً بسرقتها فكذلك، وإلَّا فلا يجوز له المطالبة؛ لأنَّه هو الَّذي سلَّطه على الإتلاف لعلمه بالسَّرقة.

وأيضاً، فإنَّ الجارية لا تستسعى بثمنها مطلقاً؛ لأنَّ كسبها لمولاها، فلا يجوز أخذه بغير رضاه.

وأمَّا جواب المُصنِّف (رحمه الله)، حيث مال إلى العمل بالرِّواية.

فيرد عليه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة السَّند.

ويُؤيّده: إعراض الأصحاب عنها.

وثانياً: أنَّها مخالفة للقواعد من عدَّة جهاتٍ ذكرها الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك، وهو على حقٍّ، حيث قال -ردًّا على الشَّهيد الأوَّل-: (وهذا التَّنزيل تقريب للنَّصّ وتوجيه، حيث يكون النَّصّ هو الحُجّة، وإلَّا فلا يخفى أنَّ مجرَّد ما ذُكِر لا يصلح للدَّلالة؛ لأنَّ تكليف البائع بالرَّدّ لا يقتضي جواز الدَّفع إليه، كما في كلّ غاصبٍ، وقِدَم يده لا أثر له في هذا الحاكم أيضاً، وإلَّا لكان الغاصب من الغاصب يجب عليه الرَّدّ على الغاصب، وهذا باطل إجماعاً، ولأنَّ البائع إن كان سارقاً لم يكن أهلاً للأمانة بخيانته، وإن لم يكن سارقاً فليس وكيلاً للمالك، ولا وليّاً له، فلا يجوز الدَّفع، كما في كلّ مبيعٍ يظهر استحقاقه.

وأمَّا الفرق بين احترام المال بالعرض والأصل فلا مدخل له شرعاً في الحكم، بل لا تفاوت في نظر الشَّارع بينهما، بل كلٌّ منهما مضمونٌ على المتلف.

مع أنَّ المتلف للمال المحترم حقيقةً ليس هو مولى الجارية، بل هو البائع الَّذي غرّه إن كان عالماً أو مَنْ غرّه، فلا يرجع على غيره «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، ولو تمّ ذلك لزم منه جواز أخذ ما ذهب من الأموال المحترمة بالأصل من مال المحترم بالعرض، كأهل الذِّمّة، وهو واضح البطلان)[2] ، انتهى كلامه (رحمه الله).

أضف إلى كلّ ذلك: أنَّ ظاهر الرِّوايّة أنَّه إن لم يكن قادراً على البائع أو الرَّدّ عليه، وكان البائع معسراً أو المشتري -على اختلاف الوجهَيْن- فلا ردّ، ويكون له عِوض الثَّمن، وهذا لا يمكن الالتزام به.

والخُلاصة إلى هنا: أنَّ العمل في هذه المسألة على القواعد، وقد عرفت ما هو الصَّحيح، والله العالم.


[1] غاية المراد: ج2، ص69.
[2] المسالك: ج3، ص402.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo