< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/09/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب البيع

 

«في المملوكَيْن المأذونَيْن: يُبتاع كلٌّ منهما الآخر»

 

وأمَّا بحسب الرِّوايات، فعندنا روايتان:

الأُولى: رواها الشَّيخ الكُلينيّ، والشَّيخ الصَّدوق (رحمهما الله)، عن أبي سلمة، ورواها الشَّيخ الطُّوسيّ (رحمه الله) في التَّهذيبيَيْن عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل: في رجلَيْن مملوكَيْن مفوَّض إليهما يشتريان ويبيعان بأموالهما، فكان بينهما كلام، فخرج هذا يعدو إلى مولى هذا، وهذا إلى مولى هذا، وهما في القوَّة سواء، فاشترى هذا من مولى هذا العبد، وذهب هذا فاشترى من مولى هذا العبد الآخر، وانصرفا إلى مكانهما، وتشبث كلٌّ منهما بصاحبه، وقال له: أنت عبدي قدِ اشتريتك من سيّدك، قَاْل: يحكم بينهما من حيث افترقا بذرع الطَّريق فأيّهما كان أقرب فهو الذي سبق الَّذي هو أبعد، وإن كانا سواء فهما ردّا على مواليهما جاءا سواءا، وافترقا سواءا، إلَّا أن يكون أحدهما سبق صاحبه، فالسَّابق هو له إن شاء باع، وإن شاء أمسك، وليس له أن يضرّ به)[1]

والرِّواية بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) صحيحةٌ؛ لأنَّ طريقه إلى أحمد بن عائذ الرَّاوي عن أبي سلمة صحيح.

والحسن بن عليّ الرَّاوي عن أحمد بن عائذ هو الحسن بن عليّ الوشاء.

وأمَّا أبو سلمة، فهو نفسه أبو خديجة سالم بن مكرم الجمَّال.

قال النَّجاشيّ (رحمه الله) في ترجمة أحمد بن عائذ: (أحمد بن عائذ بن حبيب الأحمسيّ البجليّ مولى ثقة كان صحب أبا خديجة سالم بن مكرم، وأخذ عنه، وعُرف به، وكان خلّالاً (حلّالاً)...).

وقال في ترجمة سالم بن مكرم (سالم بن مكرم بن عبد الله أبو خديجة، ويقال أبو سلمة الكناسي يقال صاحب الغنم، مولى بني أسد الجمال، يقال: كنيته كانت أبا خديجة، وأنَّ أبا عبد الله (عليه‌السَّلام) كناه أبا سلمة ثقة ثقة...).

وممَّا يؤكّد أيضاً: أنَّ أبا سلمة هو كُنية لسالم بن مكرم ما رواه ابن قولوَيْه في كامل الزِّيارات في باب السَّادس عشر الحديث الثَّاني فيما نزل به جبرائيل (عليه‌السَّلام) في الحسين (عليه‌السَّلام) أنَّه سيُقتل (قال: حدثني أبي عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن مُحمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي سلمة، سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام)...).

والخُلاصة: أنَّ الرِّوايّة صحيحةٌ بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله).

نعم، هي ضعيفة بطريق الكُلينيّ والشَّيخ الطُّوسيّ (رحمهما الله)؛ لأنَّ معلَّى بن مُحمّد الواقع في السَّند لم يوثَّق.

وأمَّا بالنِّسبة لدلالتها، فقد دلَّت على أنَّه يذرع الطَّريق، أي يمسحه، فأيّهما كان أقرب، فهو الَّذي سبق الأبعد، وهي ظاهرة فيما لو اشتبه السَّبق، وقد عمل بها الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية، وبعض أتباعه.

وقد أشكل على هذه الرِّوايّة: بأنَّها مخالفة للقاعدة؛ لأنَّ القاعدة في هذه الحالة هي القرعة؛ لأنَّها لكلّ أمرٍ مشكلٍ.

ومن هنا، قال صاحب الجواهر (رحمه الله): (إذ هو -يعني الرِّوايّة السَّابقة- مع قصوره عن الحُجيّة بالضَّعف، وإعراض الأكثر، بل لم يعمل به إلَّا النَّادر، كالشَّيخ في النِّهاية التي هي متون أخبار وبعض أتباعه، ومخالفته للضَّوابط الشَّرعيّة محتمل لإرادة حُصول اليقين بذلك)[2]

وفيه: أنَّ الرِّوايّة صحيحةٌ بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، وإعراض الأكثر لا يضرّ بصحّتها، على ما هو الصَّحيح عندنا.

وأمَّا مخالفتها للقاعدة، فلا بأس بالالتزام بالتَّخصيص، أي القرعة لكلّ أمرٍ مشكلٍ، إلَّا في هذا المورد، وفي غيره ممَّا ورد فيه الاستثناء أيضاً، كما لا يخفى.

نعم، لو حصل العلم بالسَّابق بسبب المسح، فيكون خارجاً تخصُّصاً لا تخصيصاً.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه لا يوجد في الرِّوايّة دلالة على أنَّ المسح مع الاقتران، بل هي دالَّة على خلافه، أي أنَّها دالَّة على المسح مع الاشتباه؛ إذ مع العلم بالاقتران، واتِّفاق العقدَيْن، لا محيص عن القول بالبطلان، كما عرفت.

الرِّوايّة الثَّانية: قال الكُلينيّ والشَّيخ (رحمهما الله): (وفي رواية أخرى إذا كانت المسافة سواءً يُقرع بينهما فأيّهما وقعت القرعة به كان عبده)[3]

وهي ضعيفة بالإرسال، ولا دلالة فيها.

على أنَّ القرعة مع الاقتران حتَّى يُقال: إنَّه مع الاقتران لا محيص عن القول بالبطلان؛ لأنَّ استواء الطَّريق أعمّ من الاقتران، فموردها حينئذٍ ما لو اشتبه السَّابق، وسيأتي المزيد من الكلام فيها عند قول المُصنِّف (رحمه الله) (رحمه الله) الآتي (وفي النِّهاية لو علم الاقتران أقرع).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo