< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/09/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب البيع

 

وأمَّا الأمر الثَّاني: فيما لو كان الشِّراء لمولاهما، وكانا مأذونَيْن، فالعقد السَّابق منهما صحيح بلا إشكال، والآخر محتاج إلى الإجازة بناءً على انقطاع الإذن عنه بزواله عن ملك سيِّده، فعقده حينئذٍ للغير فضوليّ موقوفٌ على إجازة ذلك الغير.

وإنِ اقترنا، فالمعروف بين الأعلام أنَّ صحَّتهما متوقِّفةٌ على الإجازة من مولاهما، فتصحَّان معاً لو أجيز، وإلَّا فالصَّحيح هو المجاز فقط.

والوجه في الاحتياج إلى إجازة مولاهما فيما لو اقترنا: هو زوال الإذن عن كلّ منهما؛ لأنَّ الصِّحّة موقوفةٌ على بقاء الإذن، وبقاء الإذن موقوف على عدم الصِّحّة.

لكن قد يُقال: بالصِّحّة فيما لو اقترنا من دون توقُّفٍ على الإجازة، بل جزم به المحقِّق الكركيّ (رحمه الله)؛ لأنَّ الإذن مقارن لتمام العقد، فالانتقال وانقطاع الإذن قد ترتّبا معاً على تمام العقد ترتّبا ذاتيًّا، ولا يعتبر في الإذن أزيد من ذلك.

وفيه: أنَّ الأحكام مبنيّة على الفهم العرفيّ للألفاظ الواردة في الكتاب المجيد، والسُّنّة النبويّة الشَّريفة، وليست مبنيّةً على الدِّقّة العقليّة.

فالإنصاف: هو الاحتياج إلى الإجازة فيما لو اقترنا.

وأمَّا لو علم السَّبق، واشتبه السَّابق، وقد حصل الرَّدّ من أحدهما، فالقرعة لتعيين السَّابق؛ لأنَّها لكلّ أمرٍ مشكلٍ.

نعم، لو لم يحصل الرَّدّ من أحدهما، بل كلٌّ منهما أجاز فلا حاجة للقرعة، كما لا يخفى.

وأمَّا الأمر الثَّالث: فيما لو كان الشِّراء لمولاهما، وكان وكيلَيْن، فيصحّ العقدان على كلّ حالٍ، حتَّى لو اقترنا؛ لعدم انقطاع الوكالة بالخُروج عن الملك، بخلاف الإذن، فإنَّها تنقطع بالخُروج عن الملك، وهذا هو الفارق بين الإذن والوكالة.

ومنه تعرف أنَّه لو كانت الزَّوجة مأذونةً من قِبل الزَّوج، فيزول الإذن بزوال الزَّوجيّة.

وهكذا الخادم لو كان مأذوناً، فيزول إذنه بزوال عنوان الخادميّة، وكذا الشَّريك المأذون من قِبل شريكه، فيزول إذنه بزوال الشَّراكة، وهكذا.

ثم إنَّه لو كان أحد العبدَيْن وكيلاً، والآخر مأذوناً، صحَّ شراء الوكيل مطلقاً.

وأمَّا المأذون، فإن تقدَّم شراؤه صحّ، وإلَّا كان موقوفاً على الإجازة، والله العالم.

قوله: (وفي النِّهاية: لو علم الاقتران أُقرع)

ذكرنا عبارته في أوَّل المسألة، حيث قال: (فإنِ اتَّفق أن يكون العقدان في حالة واحدة أُقرع بينهما، فمَنْ خرج اسمه كان البيع له، ويكون الآخر مملوكاً...).

قوله: (وردَّه ابن إدريس بأنَّ القرعة لاستخراج المُبهم، ومع الاقتران لا إبهام، بل يبطلان)

قال ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر: (إنِ اتَّفق أن يكون العقدان في حالة واحدة، كان العقد باطل، وقد رُوي أنّه يقرع بينهما، فمَنْ خرج اسمه كان البيع له، ويكون الآخر مملوكه، وهذه الرِّواية لا يمكن المصير إليها، لأنَّ القرعة تستعمل في الأشياء الَّتي يجوز وقوع الصِّحّة فيها، وصحَّة أحدهما، وبطلان الحكم الآخر، وهذا السُّؤال مبنيٌّ على أنَّه وقع العقد في حالة واحدة، و تحقّق وتيقَّن ذلك، وقد رُوي أنَّه يذرع الطَّريق، والأوَّل من الأقوال هو الصَّحيح الَّذي يقوى في نفسي)[1]

أقول: قد عرفت أنَّه في حالة اتِّفاق العقدَيْن في وقت واحد، بأنِ اتَّحد الزَّمان للجُزء الأخير من قبولهما بطل العقدان فيما لو كان الشِّراء لأنفسهما، وقد عرفت الوجه في البطلان.

وأمَّا الرِّوايّة الَّتي دلَّت على أنَّه يذرع الطَّريق، وهي صحيحة أبي سلمة، وقد ذكرناها سابقاً فقد عرفت أنَّها ظاهرة فيما لو اشتبه السَّابق، وقد عملنا بها تخصيصاً لقاعدة القُرعة، وليس موردها صُورة الاقتران، هذا هو الإنصاف في المسألة.

قوله: (وأجاب المُحقِّق (رحمه الله): بجواز ترجيح أحدهما في نظر الشَّرع فيُقرع)

قال المُحقِّق (رحمه الله) في نكت النِّهاية: (والرِّواية بالقُرعة مرسلة وغير دالَّة على ما ذكره الشَّيخ في النِّهاية، وإنَّما كان عنده العمل بالقرعة أحوط؛ لأنَّ المستسلف أنَّ كلّ مشكل فيه القرعة، وقد بيّن ذلك في الاستبصار، ولمَّا كان مع وقوع العقدَيْن في الحالة الواحدة يمكن ترجيح أحدهما في نظر الشَّارع، استند إلى القُرعة، ليخرج القرعة ما لعلَّه يكون مرادا)[2]

قوله: (ويُشكل: بأنَّ التَّكليف منوطٌ بأسبابه الظَّاهرة، وإلَّا لزم التَّكليف بالمحال)

ذكر المُصنِّف (رحمه الله) أنَّ جواب المُحقِّق بجواز ترجيح أحدهما في نظر الشَّارع فيقرع، في غير محلِّه؛ لأنَّ التَّكليف منوط بالأسباب الظَّاهرة، وإلَّا لزم التَّكليف بالمحال، وهو عدم القدرة لعدم علمنا بالمناط.

أضف إلى ذلك: أنَّ احتمال الرّجحان في الواقع -فيستخرج بالقرعة- معارضٌ باحتمال عدمه.

والخُلاصة: أنَّ ما ذكره المُحقِّق (رحمه الله) ليس تامًّا.

قوله: (وليس كالقرعة في العبيد؛ لأنَّ الوصيَّة بالعتق، بل نفس العتق قابل للإبهام بخلاف البيع وسائر المعاوضات)

ما ذكره المُصنِّف (رحمه الله) من الفرق بين الوصيّة بالعتق ونفس العتق من قابليّته للإبهام، ويتعيّن بالقرعة، وبين البيع، وسائر أنواع المعاوضات من عدم قابليّتها للإبهام في محلِّه، فلو أوصى بعتق ثُلث العبيد الموجودين عنده، فيستخرج الوارث أو الوصيّ الثُّلث بالقرعة، ثمَّ يعتقهم.

ففي صحيحة مُحمّد بن مسلم (قَاْل: سألتُ أبا جعفر عليه‌السلام عن الرَّجل يكون له المملوكون، فيوصي بعتق ثلثهم، فقال: كان عليٌّ عليه‌السلام يسهم بينهم)[3]

وفي رواية مُحمّد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل: إنَّ أبي ترك ستِّين مملوكاً، فأقرعت بينهم، فأخرجت عشرين، فأعتقتهم)[4]

ولكنَّها ضعيفة؛ لاشتراك مُحمّد بن مروان بين عدَّة أشخاصٍ، وكذا لو أعتق عبداً، ولم يعيّنه من بين العبيد الموجودين عنده، فيستخرج بالقرعة، وهذا بخلاف البيع وسائر أنواع المعاوضات فليست قابلةً للإبهام حتَّى يستخرج ذلك بالقرعة، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo