< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/10/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الناس /البقرة الآية 21-22

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[1]

قد تحدثنا في الأسبوعين الماضيين حول هاتين الآيتين وانما بقي علينا ان نكل بحثنا حول المقطع الأخير وهو قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

قال في الميزان: (الأنداد جمع ند كمثل، وزنا ومعنى)[2] وقال في الأمثل: ‌ («الأنداد» جمع «ند» على وزن ضدّ، وهو الشبيه والشريك)[3] وقال في لسان العرب (النِّدُّ: ما كان مثل الشي‌ء يضاده في أموره).

الشرك ثلاثة اقسام: فالشرك قد يكون في الايمان والاعتقاد كمن يعتقد بآلهة دون الله كالوثنيين الذين كانوا يعتقدون للخير إله وللشر إله، والايمان بالله ذو درجات. قد يكون الى درجات عالية جدا كأمير المؤمنين عليه السلام حيث روي عنه انه قال ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله وبعده ومعه ومن الناس يعتقد بالله ولكنه يعيش الغفلة والسهو فيرتكب المعاصي ولا يستحيي من الله والانكار في هذه المرحلة يساوق الكفر.

وقد يكون معتقدا بالله وحده ولكنه يجعل شريكاً او شركاء لله في خالقيته، فيعتقد ان هناك مؤثرات في العالم خارج عن إرادة الله بينما الحق انه لا حول ولا قوة الا بالله. وفي هذه المرحلة اذا اعتقد شركاء لله في خاقه كذلك موجب للكفر. ولكن قد لا يعقد بذلك ولكنه في مقام العمل غافل عن مسبب الأسباب ويوجّه الى الأسباب ويريد منها قضاء حاجته غافلا عن الله، هذا لا يوجب الخروج عن الدين ولكنه حالة دنيئة، فقد ورد ونقرأ في حديث شريف "أن رجلاً قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه واله وسلّم: ما شاء اللّه وشئت. فقال النّبي صلّى اللّه عليه واله وسلّم: «أ جعلتني للّه ندّا»؟!

مثل هذه التعابير التي تشمّ منها رائحة الشرك رائجة- مع الأسف- بين سواد المسلمين وهي غير لائقة بالإنسان الموحّد، كقولهم: اعتمادي على اللّه وعليك!!، ففي رواية عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى: ﴿وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [4] قال عليه السلام: "قول الرّجل لو لا فلان لهلكت، ولو لا فلان لأصبت كذا وكذا، ولو لا فلان لضاع عيالي" [5]

لا يخفى ان هذه الآية لا تعني ان عموم الناس مشركون لأنّها مسبوقة بقوله تعالى: ﴿وَمَا أكْثَرُ النّاسِ وَلَو حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْألُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ اَجْرٍ اِنْ هُوَ اِلّا ذِكرٌ لِلْعالَمِينِ وَكَأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السّماواتِ وَالْأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ﴾ ثم قال: ﴿وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾. فالضمير فيها يعود الى الأكثرية.

القسم الثاني: الشرك في العبادة وهم يعترفون بالله ولكن يعبدون الهة دون الله ويعبدون الاصنام رمزا لتلك الآلهة فبالنسبة الى هؤلاء قال الله تعالى:﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾﴿أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[6] واكثر المشركين كانوا من هذا القبيل ولذلك ورد في القران: ﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله﴾ وقد ورد هذا المضمون اكثر من مرة. منها قوله تعالى: ﴿وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَ فَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾[7]

الثالث: من يشرك بالله في الطاعة فمن اطاع غير الله خلاف ما حكم به الله فقد جعله شريكا او بدلا لله في الطاعة ولا يجوز طاعة احد في معصية الله حتى من يتبع هواه سماه الله اتخذه الهه قال تعالى: ﴿أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾

لا بدّ من التأكيد على أن الشّرك باللّه لا ينحصر باتّخاذ الأوثان الحجرية والخشبية آلهة من دون اللّه كما يفعل الوثنيون، أو القول بأن اللّه ثالث ثلاثة كما تقول النصارى. او عزير ابن الله كما قال به يهود، بل إن للشرك معنى أوسع وصورا متنوعة أكثر ضمورا وخفاء. وبشكل عام كل اعتقاد بوجود أشياء لها آثار مما هو شأن الله كالإماتة والاحياء والخلق والنسخ والمرض والشفاء مستقلا عن الله فقد اشرك، نعم اذا اعترف ببعض المعاجز الانبياء والاولياء بإذن الله وقدرته، فهو لا ينافي التوحيد بل دال على اعترافه بقدرة الله المطلقة حيث يستطيع ان يخلق خلقا اقدره على إيجاد شيء او إعدامه بقدرته.

ومن الشرك الرياء وهو اراءة شيء من الخيرات والعبادات مما لابد ان يكون مخلصا لله بقصد ان يراه الغير فيزعمه عابدا صالحا ووليا لله، وهذا الذي كثير منا يبتلي به ولذا ورد في الحديث "الشرك اخفى من دبيب النمل على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء" وهذا ما يعبّر عنه ابن عباس إذ يقول: (الأنداد) هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء، وهو أن يقول: واللّه، وحياتك يا فلان، وحياتي! ... ويقول: لو لا كلبه هذا لأتانا اللصوص البارحة! ... وقول الرجل لصاحبه: ما شاء اللّه وشئت ...هذا كله به شرك) [8]

قال في الأمثل: (ليس الايمان هو الاعتقاد بوجود اللّه فقط، فالمؤمن المخلص هو الذي لا يعتقد بأيّ معبود سوى اللّه، فتكون أقواله واعماله وكلّ أفعاله خاضعة له. ولا يعترف بغير قانون اللّه، ولا يضع طوق العبوديّة في رقبته لغيره، ويمتثل بقلبه‌ وروحه لكلّ الأوامر الالهيّة ولو كانت مخالفة لهواه، ويقدّم دائما الإله على الهوى، هذا هو الايمان الخالص من الشرك في العقيدة والقول والعمل، فلو حسبنا حسابا دقيقا في هذا المجال لوجدنا انّ الموحّدين الصادقين والمخلصين قليلون جدّا.(

وفي حديث: (انّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول اللّه؟ قال: الرياء، يقول اللّه تعالى يوم القيامة إذا جاء الناس بأعمالهم: اذهبوا الى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء)[9] .

ونقل‌ عن الامام الباقر عليه السّلام في تفسير الآية أعلاه حيث يقول "شرك طاعة وليس شرك عبادة، والمعاصي التي يرتكبون وهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا باللّه في الطاعة لغيره" [10]

وفي بعض الرّوايات ورد انّ المقصود من (شرك النعمة) بهذا المعنى انّ اللّه يهب الإنسان شيئا فيقول: "انّ فلانا قد جاءني به فلو لم يكن فلان لكنت من الهالكين! وكانت حياتي هباء منثورا"، فهنا قد اعتبر الشريك مع اللّه الشخص الذي جرت على يده نعمة اللّه!

عن ابي عبد الله عليه السلام: كل رياء شرك، انه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان ثوابه على الله [11] .

قال الامام الخميني: الرياء اظهار الشيء من الاعمال الصالحة او الصفات الحميدة او العقائد الحقة الصحيحة للناس، للحصول على منزلة من قلوبهم والشهرة بينهم بالصلاح والاستقامة والأمانة والتدين من دون ان تكون هناك نية الهية صحيحة.

للرياء مراتب والتخلص من جميعها من مختصات أولياء الله، فنفوس عامة الناس بحسب الغريزة والفطرة تميل الى اظهار خيراتها وان لم يقصدوا ذلك، وهذا لا يوجب بطلان العمل، او الشرك، او النفاق، او الكفر، وان كان ذلك شركا ونفاقا لدى الولي، او العارف بالله، والتنزه عن مطلق الشرك والإخلاص في جميع مراتبه هو اول مقامات الاولياء، وقول الائمة عليهم السلام: ان عبادتنا عبادة الاحرار، أي حبا لله، لا طمعا في الجنة ولا خوفا من النار، هي أولى درجات الولاية، ولهم في العبادات حالات لا يمكن ان تستوعبها عقولنا، عليه يمكن الجمع بين الحديث السابق وحديث محمد بن يعقوب باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه انسان فيسره ذلك؟ قال: لا بأس، ما من أحد الا وهو يحب ات يظهر له في الناس الخير اذا لم يكن صنع ذلك لذلك"

و يتحقق الرياء في ثلاث مقامات:

الأول: العقائد الحقة والمعارف الإلهية.

الثاني: الخصال الحميدة والملكات الفاضلة.

الثالث: الاعمال والعبادات الشرعية، او الأمور الراجحة عقلاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo