الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث التفسیر
45/04/16
بسم الله الرحمن الرحیم
قال الله تعالي: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً﴾ [1]
هذه الآية المباركة رابع آية في سورة الأحزاب يخاطب الله بها عباده وقد ورد في شأن نزولها في تفسير مجمع البيان انه: ( لما بنى رسول الله ص بزينب بنت جحش وأولم عليها قال أنس أولم عليها بتمر وسويق وذبح شاة وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة فأمرني رسول الله ص أن أدعو أصحابه إلى الطعام فدعوتهم فجعل القوم يجيئون ويأكلون ويخرجون ثم يجيء القوم فيأكلون ويخرجون، قلت: يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه فقال: ارفعوا طعامكم فرفعوا طعامهم وخرج القوم وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت فأطالوا المكث فقام ص وقمت معه لكي يخرجوا، فمشى حتى بلغ حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم جلوس مكانهم فنز لت الآية) [2]
وقيل: كان رسول الله ص يطعم معه بعض أصحابه فأصابت يد رجل منهم يد عائشة وكانت معهم، فَكَرهَ ص ذلك فنزلت آية الحجاب عن مجاهد. ونزل قوله ﴿وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ إلى آخر الآية في رجل من الصحابة قال لئن قبض رسول الله ص لأنكحن عائشة بنت أبي بكر عن ابن عباس، قال: مقاتل وهو طلحة بن عبيد الله وقيل: إن رجلين قالا أ ينكح محمد نساءنا ولا ننكح نساءه والله لئن مات لنكحنا نساءه وكان أحدهما يريد عائشة والآخر يريد أم سلمة عن أبي حمزة الثمالي.[3]
كانت عرب الحجاز من ابعد الاقوام عن الحضارة وبعيداً عن ادب المعاشرة والخُلُق الحميدة وكان المسلمون جديد العهد بالإسلام فتكفل الله بتأديبهم وتعليمهم المعاشرة الحميدة والابتعاد عن الأعراف الجاهلية في أكثر من مورد، وفي مناحي المختلفة في حياتهم ولذلك نجد في القرآن ما يشير الى بعض العادات والأعراف الفاسدة وبعض التعليمات والتوصيات لإصلاح سيرتهم واخلاقهم في الأمور المختلفة ومنها هذه الآية المباركة التي تشتمل على ثمانية احكام وآداب.
بل نقرأ في أحوال النّبي صلّى اللّه عليه وآله أنّه عند ما كان يريد دخول بيت ابنته فاطمة (سلام اللّه عليها)، كان يقف خارجا ويستأذن. وكان معه «جابر بن عبد اللّه» يوما، فاستأذن له بعد أن استأذن لنفسه [5] .
﴿إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ ولعل الايذاء لأسباب عديدة أولاً: اتلاف وقته، ثانياً: اتعابه للجلوس معهم، ثالثاً: ان صاحب البيت دعا الضيف ليستأنس به ويستفيد من فرصة الضيافة لتحكيم العلاقات معه ولا يحصل هذا الغرض عند ما يشتغل الضيوف مع بعضهم البعض. والنبي كان يستحيي منهم لما كانوا ضيوفه وفي غير هذه الموارد لم يكن رسول الله يستحيي عن دلالة امته الى مكارم الاخلاق ومعارف الآدب وصالحات الاعمال ولذا الله تكفل عنه هذا المهم وكفاه فيها.
كان ولا يزال متعارفاً بين العرب وكثير من الناس أنّهم إذا احتاجوا شيئا من لوازم الحياة ووسائلها يستعيرونها من جيرانهم مؤقتا، ولم يكن بيت النّبي مستثنى من هذا القانون، بل كانوا يأتون إليه سواء كان الوقت مناسبا أم غير مناسب، ويستعيرون من نساء النّبي شيئا، ومن الواضح أن جعل نساء النّبي عرضة لأنظار الناس- وإن كن يرتدين الحجاب الإسلامي- لم يكن بالأمر الحسن، ولذلك صدر الأمر إلى الناس أن يأخذوا الأشياء من وراء الحجاب والمراد من الحجاب الستار أو من خلف الباب.
رعاية هذا الامر أيضا مستحسن بين سائر الناس ايضاً، فرعاية الستر والعفاف هي المرغوب في تعامل أجانب الرجال مع النساء الأجنبيات.
ثم عقبت الآية بحكمة هذا الحكم فقال: ﴿ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾. لان لقاء الرجل مع المرأة الأجنبية في داخل البيت بعيدا عن الأنظار ومن دون حاجب قد يوجب دخول بعض التخيلات الشيطانية من الطرفين.
وقد ورد في روايات سبب نّزول هذا الحكم أنّ بعض المنافقين كانوا قد أقسموا على أن يتزوّجوا نساء النّبي من بعده، وقد آلم ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
وعلى كل حال هذا الامر صريح القران ولا يصدر من الله حكما الا وفيه مصالح جمة قد لا نعلم جميعها.
وهذا العنوان الشريف من كونهن أمهات المؤمنين امتياز ومفخرة لا يقاس بها ما سلبوا من حق الزواج برجل من الرجال بعد النبي صلى الله عليه واله. ولهذا السبب كانت نساء النّبي يعشن من بعده بكلّ احترام وتقدير بين الامّة الإسلامية، وكن راضيات جدّا عن حالهنّ، ويعتبرن ذلك الحرمان مقابل هذه الافتخارات أمرا تافها.