< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

     مسلك آخر لأصالة الاحتياط العقلي: وهو ان العقل العملي يحكم بوجوب دفع الضرر المحتمل.

     التنافي البدوي بين قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل، وكلاهما يحكم به العقل العملي.

     كيفية رفع التنافي.

     تعريفات اصل البراءة.

 

إذن هناك مقابل أصل البراءة، "قبح العقاب بلا بيان" هناك أصل آخر الذي هو الاشتغال والاحتياط.

والاصل الآخر له منشأن: اما مسلك حق الطاعة وننتقل منه إلى استحقاق العقاب على المخالفة ووجوب الاحتياط واشتغال الذمّة، أي الانتقال من الملزوم إلى اللازم، ننتقل من مسألة كلامية إلى مسألة أصولية.

ذكرنا ذلك في درس أمس مفصلا، وذكرنا الخلل في هذا المسلك بأن السيد الشهيد الصدر (ره) نظر إلى حق المولى على العبد ولم ينظر إلى حق العبد على المولى. نعم نحن نسلم بمسلك انه كلما عظم المولى عظم حقه، لكن أيضا كلما عظم المولى عظمت رحمته ورأفته على عبيده، هو الذي عبّر عن نفسه انه: "كتب على نفسه الرحمة".

هناك مسلك آخر لأصالة الاحتياط والاشتغال العقلي: وهو أن العقل العملي يحكم بوجوب دفع الضرر المحتمل، وفي الحرمة المحتملة ضرر محتمل، وقد يكون ضررا دنيويا أو ضررا أخرويا لان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد. فدفع الضرر المحتمل يحكم به العقل العملي وجدانا ولا خلاف فيه. إذن يجب ترك الفعل، وهكذا الواجب المحتمل يجب فعله.

الحصيلة ان هناك قاعدتين عقليتين وجدانيتين: "قبح العقاب بلا بيان" و "ووجوب دفع الضرر المحتمل" وهما متعارضتان، قاعدة "فقبح العقاب بلا بيان" تؤدي إلى ان الحكم المجهول لا يعاقب عليه فلا يحتمل الضرر فيه فترتفع قاعدة "وجوب دفع الضرر المحتمل" موضوعا، وقاعدة "وجوب دفع الضرر" الوجوب العقلي بيان فترتفع قاعدة البراءة: "قبح العقاب بلا بيان" موضوعا، فايهما يقدّم على الآخر؟

الاحكام العقلية ليس فيها تناف ولا تعارض، لكن هاتين القاعدتين العقليتين متنافيتان في بدو الأمر.

من هنا نشأت مسألة وهي: ما هو المقدّم؟ البراءة العقليّة أم الاحتياط العقلي؟

قد ذكرت وجوه عديدة في ذلك، وتفصيلات كثيرة، بين الضرر الدنيوي والضرر الأخروي وبين الضرر والمفسدة وبين الحكم النفسي والغيري، وبين الارشادي والمولوي وغيرها، والتطرق إليها يحتاج إلى وقت كثير، فمن أرادها يستطيع أن يراجعها.

ولكن بالنسبة الينا وما قدمناه أصبح الأمر جليا: إن العقل العملي يحكم بأن الله أرحم الراحمين وهذا لا يحتاج إلى دليل، بل يحكم به العقل، فلا يحتاج إلى نص شرعي من قرآن أو غيره، وذلك لأنه انما يحتاج إلى الظلم الضعيف، ولذلك كلما عظمت مولوية المولى تكون الرحمة اكبر واعظم، وهل من الرجمة أن نحاسب على مجهول؟ وهذا من حق العبد، والعقل العملي أيضا يحكم بأن العقاب على المجهول ليس من الرحمة، بل إن من أشد الظلم أن نحاسب على مجهول.

نعم، بالنسبة للموالي العاديين يكون دفع الضرر المحتمل واجبا، ويشتد وجوبه كلّما ازدادت سطوتهم وعظمتهم في الدنيا.

النتيجة: الأصل العملي العقلي في التكاليف هو البراءة العقلية، فـ "قبح العقاب بلا بيان" محكمة ولا معارض لها. [1]

البراءة الشرعية:

معنى البراءة الشرعية ليس الذي ورد في لسان الشارع كما عرّفه بعضهم.

قلنا ان البراءة الشرعية هي ما حكم به الشارع، أي ما جعله واعتبره الشارع، ويكشف عنه النص الشرعي. والجعل الشرعي قد يكشف عنه أيضا غير لسان الشارع كالسيرة العقلائية أو الحكم العقلي بالبراءة وامضاه الشارع، وكالأحكام الثابتة بالملازمات العقلية فيصبح جعلا شرعيا.

أصل البراءة الشرعية: عند عدم الحصول على الكواشف، وبقاء الشك في التكليف بحثنا في حكم العقل العملي وكانت النتيجة البراءة و "قبح العقاب بلا بيان"، واما الشارع من حيث هو شارع فهل يحكم بالبراءة أيضا؟

وقد اختلفت الأنظار في تعريف البراءة الشرعية، ولعلّ ذلك بحسب اختلاف التوجهات في الأصل العملي العقلي.

مثلا قد عرّفها السيد الشهيد الصدر (ره) بأن مفادها هو: الأذن من الشارع في ترك التحفظ والاحتياط تجاه التكليف المشكوك". والظاهر أن منطلقه في استفادة ذلك من كونه بانيا على مسلك حق الطاعة وأصالة الاشتغال بحكم العقل العملي الذي يقتضي الاحتياط والتحفظ عند احتمال الحكم، وهو ما سمّي بمنجزية الاحتمال، فجاء الشارع ليعطي الرخصة في عدم وجوب الاحتياط.

فان حق الطاعة الملزوم يلزمه أي يؤدي إلى منجزية الاحتمال الذي يلزمه الاشتغال الذي يلزمه الاحتياط. وذلك ولذا اختلفت التعريفات عن الأصل العملي العقلي بعناوين متعددة، والحق هو ما ذكرناه من كون بعضها لازمن للآخر.

وعرّفها المحقق العراقي آغا ضياء (ره) بانها: عبارة عن نفي الحكم الفعلي ظاهرا ونفي المؤاخذة على مخالفة ما لا طريق للمكلّف إلى العلم به". وهذا التعريف يلزمه ترك وجوب الاحتياط والتحفظ.

وفي تعريف المحقق العراقي (ره) يتوافق الأصل العملي وهو "قبح العقاب بلا بيان" مع الأصل العملي الشرعي، بخلاف من قال بمسلك حق الطاعة وأصالة الاشتغال عقلا.

اما الاستدلال على البراءة فالسيد الخوئي (ره) يقول بانه لا داعي للبحث عنها للإجماع عليها، وأيضا لا داعي للبحث عن الأصل العملي العقلي لانه اجماع البراءة، الكلام والخلاف كلّه في الصغرى لان الكبرى مسلّمة عند الاخباريين والاصوليين، فـ " قبح العقاب بلا بيان" مسلم، ولكن الكلام في ان احتمال التكليف بيان او لا؟

واجبنا: ان الخلاف في الكبرى والصغرى، فالبراءة العقلية غير مسلّمة، واما البراءة الشرعية فحتى الاخباريون اختلفوا فيها، ومنهم من ذهب إلى وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية دون الشبهة الوجوبية وهو المشهور بينهم، وبعضهم قال بوجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية والوجوبية كالمحقق الاسترآبادي (ره) الذي قال بوجوب الاحتياط مطلقا عن الشك.

 


[1] سؤال احد الطلبة الافاضل: ما الداعي للبحث في مسألة البراءة العقليّة والبراءة الشرعية إذ هما متطابقان؟الجواب من السيد الاستاذ: اولا نبحث ما هو الاصل العملي العقلي، ثم نأتي بعدها البراءة الشرعية ترفع موضوع البراءة العقليّة، والثمر تكون في المشكوكات، فان كانت البراءة عقليّة اقتصرنا على القدر المتيقّن، وإن كانت شرعية من لسان الشارع أمكن إجراء أصالة الاطلاق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo