< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية.

 

     الفرق بين ثبوت الطهارة بالاستصحاب وبين ثبوتها بأصل الطهارة.

     هل يجب في المسألة الأصوليّة ان تكون مطّردة في جميع أبواب الفقه؟ والجواب.

     هل الخلاف بين الأصوليين والاخباريين كبروي أم صغروي؟

 

بعد التذكير بما مرّ من نقاش الرواية: "كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فاذا علمت فقد قذر". أي انه قبل العلم بالنجاسة ليست هناك نجاسة اعتباريّة ولا تنطبق الآثار لكن هناك رواية موثقة تشتمل على بعض الآثار فنقتصر عليها.

ثم ان صاحب الحدائق (ره) استدل ايضا بالحديث الشريف: "من ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه"، ولن نتعرّض لها، لكوننا لا نبحث في موضوع فقهي، بل نقتصر على ما هو المهم لنا، وهو ان اصل الطهارة هل هو اصل عملي أم قاعدة كليّة؟

والنتيجة كانت ان اصالة الطهارة هي حكم كلي لموضوع كلّي، والروايات تنقح الموضوع الطهارة والنجاسة الاعتباريتان. ووصلنا إلى ان المشكوك نجاسته نبني على طهارته في كل الاحكام عدا ما ذكر بالرواية الموثقة، إلا ان يقال بتوحيد المناط ولكنه يحتاج إلى دليل.

من هنا اصالة الطهارة تدرس في الفقه لان موضوع الحكم فيها هو موضوع كلّي، من قبيل الطواف صلاة بتوسعة موضوع الصلاة ليشمل الطواف.

ولذا لو كانت أصالة الطهارة أمارة وليست اصلا عمليا، يأتي الفرق لو شككت في طهارة الماء، تارة احكم بطهارته استصحابا للطهارة، وتارة احكم بالطهارة من باب: "كل شيء لك طاهر".

ومن هنا نجد الفرق بين ثبوت الطهارة بالاستصحاب، وبين ثبوتها بأصل الطهارة.

فثبوتها الاستصحاب الذي هو أصل عملي نجري حينئذ احكام الاستصحاب فلا تثبت اللوازم غير الشرعية.

وثبوتها بأصل الطهارة من باب حكم كلّي تصبح امارة يثبت معها كل اللوازم الشرعية وغيرها جميعا من الآثار التكوينية والعقلية والعرفيّة وكل ما ليس شرعيا.

اما بناء على ان اصل الطهارة اصل عملي كما عند بعض المتأخرين "كل شيء لك طاهر" من قبيل "كل شيء لك مطلق حتى يرد فيه نهي" مثلها مثل البراءة. وقد ذكرنا ان المحقق الكرباسي (ره) ولعلّه رأي الشيخ أغا ضياء العراقي (ره) أن أصل الطهارة يرجع إلى البراءة وانه ليس أصلا جديدا قائما بذاته.

إذن إذا كان أصلا عمليا فلا فرق بين ثبوته بالاستصحاب أو ثبوته بالأصل. [1]

بقي شيئان قبل البدء ببيان الأصول العمليّة الأربعة:

الأمر الأول: ذكر صاحب الكفاية (ره) وتبعه غيره: أن الوجه لعدم التعرض لأصالة الطهارة في علم الأصول عدم اطرادها في جميع أبواب الفقه واختصاصها بباب الطهارة.

أجاب عنه السيد الخوئي (ره) بأجوبة مبنائية على مبنى استاذه الشيخ النائيني (ره).

نجيب: أن الجواب معقول لكّنه مبنائي، هذا يتبع لتعريف علم الأصول، فمن عرّفه بأنه: "العلم بالقواعد المشتركة"، كالسيد الشهيد محمد باقر الصدر (ره)، فهذا الوجه معقول ويكون كلام صاحب الكفاية (ره) متينا، ويكون تخريج عدم دراسة الطهارة في علم الأصول صحيح لان اصالة الطهارة لا تنفع إلا في باب الطهارة.

ومن عرّفه بأنه: "البحث عن المسائل التي تقع نتيجتها كبرى في القياس لاستنباط الاحكام الشرعيّة الفرعيّة" فهذا الوجه غير تام، لان المهم أن يقع كبرى. ووقوعه كبرى في كل الأبواب ليس مأخوذا في التعريف.

هذا الوجه الثاني هو رد السيد الخوئي (ره)، تعريف: "ان المسألة الأصولية تقع كبرى في قياس المسألة الفقهيّة" أو انه " الجزء الأخير من العلّة" من قبيل الجزء الأخير من العلّة التاّمة. قالوا ان تقع كبرى، فإذا وقعت كبرى في استنباط الحكم الفرعي ولو في باب ما، هذا كاف، فمن اين أتت انه يجب ان تكون: قواعد مشتركة بين كل الأبواب؟

نحن ذكرنا سابقا أن اطراد القاعدة في جميع أبواب الفقه أو في معظمها من لزوم ما لا يلزم، وإلا خرجت بعض المسائل الاصوليّة عنه: كتبويب مسألة: "دلالة النهي على الفساد في العبادات" هذه خاصة في العبادات مع انها اصوليّة ودرسوها في علم الأصول، وغير ذلك من المسائل.

اجيب: نقول " ان عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير. المسألة الاصوليّة والقاعدة الاصوليّة موجودة في ذهن الجميع، لكن التعبيرات عنها كانت بطرق مختلفة. قلنا ان العلم يخدم بعضه بعضا، كل علم خادم لعلم آخر، مثلا علم المنطق يخدم علم الأصول، وعلم الأصول يخدم علم الفقه، بان يكون ما بينهما، لذلك قلنا ان العلوم كالسلّم درجات كل درجة تخدم الأخرى، فعلم اللغة يخدم علم الأصول بمباحث الالفاظ، وعلم الأصول يخدم علم الفقه، وكذلك في الطب والفيزياء، فالفيزياء تخدم علم الطب وهكذا.

ففي تعريف الأصول كل تعريف أخذ لازما في تعريفه المسألة الاصوليّة كالشيخ النائيني (ره): "التي تقع كبرى في المسائل الفقهية"، السيد الصدر: "القواعد المشتركة"، والتعريف المشهور: "العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعيّة" هذه التعريفات الموجودة، لكن واقع الأمور كما ذكرنا سابقا ان كلهم يشيرون إلى نفس المعنى، اخذوا جهّة معيّنة وركّزوا عليها، ونحن قلنا دائما ان المشكلة هي ان التعريفات باللازم غالبا، فعلم الأصول تاريخيا هو عبارة عن علم الفقه، والفقهاء عندما درسوا الفقه وجدوا ان هناك قواعد مشتركة تحتاج لدراسة مستقلّة، بعد دراسة هذه القواعد من الفقهاء نتج علم الأصول، سابقا لم يكن هناك علم الأصول، الأئمة (ع) ذكروا ان هناك قواعد ورد عنهم: "نحن نلقي عليكم الأصول وعليكم ان تفرعوا"، نتج علم الأصول.

الامر الثاني الذي ينبغي الالتفات إليه: هناك تعبير للسيد الخوئي (ره) يحتاج للتعليق وهو قوله: "بأن النزاع المعروف بين الأصوليين والاخباريين في مسألة البراءة إنما هو في الصغرى، وفي تماميّة البيان من قبل المولى وعدمه. وأما في الكبرى وهي: عدم كون العبد مستحقا للعقاب على مخالفة التكليف مع عدم وصوله إلى المكلّف. فهي مسلّمة عند الجميع، ولم يقع فيه نزاع بين الأصوليين والاخباريين.

كيف؟ وان العقاب على مخالفة التكليف غير الواصل من أوضح مصاديق الظلم، وقد دلّت الآيات والروايات على ان الله سبحانه وتعالى لا يعاقب إلا بعد البيان، لئلا يكون للناس على الله حجة، بل له الحجّة البالغة". [2]

بيان كلام السيد الخوئي (ره): "إنما الكلام هو في الصغرى، وفي تماميّة البيان من قبل المولى وعدمه". ففي كتاب الله عز وجل: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" هناك بيان وإلا كانت البراءة.

ومحل الكلام هو: هل تمّ البيان أو لا؟ فلا مشكلة بين الاخباريين والاصوليين كلهم متفقون على اصل البراءة، وبعض الاخباريين قال بأصل البراءة بالشبهة الوجوبيّة والاحتياط بالشبهة التحريمية.

السيد (ره) يقول ان الكلام ليس في الكبرى فياصل البراءة، البراءة موجودة قطعا، لكن الكلام في الصغرى أي هل وصل البيان أو لا؟ قال الإخباريون ان البيان قد وصل ولو بالعلم الإجمالي إذن يجب ان احتاط، اما الاصوليون قالوا بعدم وصول البيان لذا قالوا بالبراءة.

ثانيا تعليقنا على قوله: "انها مسلّمة عند الجميع"، يأتي التعليق غدا ان شاء الله.


[1] فائدة: الاستصحاب كان يعتبره اكثر القدماء أمارة، ومن زمن الشيخ الانصاري (ره) إلى يومنا كثر اعتباره أصلا، لان الشيخ بنى على انه إذا كانت حجية الاستصحاب من باب سيرة العقلاء فهو امارة، اما إذا كان الدليل الروايات والنصوص فهو اصل عملي. والشيخ اعتبر ان حجية الاستصحاب بالروايات والنصوص، لذلك قالوا عن الشيخ الانصاري (ره) انه قرّب بين الاخباريين والاصوليين بهذا الاعتبار حيث لم يعد لسيرة العقلاء. ونكرر انه ليس هناك اخباريين ولا اصوليين، فصاحب الحدائق هو من شيوخ الاخباريين نراه أحيانا اصولي أكثر من الأصوليين. الظاهر ان هذا الخلاف مخترع من قبل الغرف السوداء للتفرقة والتمزيق بين أصحاب المذهب الواحد. واقرب مثال على ذلك في يومنا دارفور في السودان اخترعوا لهم الفرق بين من هو من اصل البلد ومن هو طارئ عليها من الآف السنين، ومزقوا البلاد للسيطرة عليها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo